Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أحمد أسعد خليل

النوايا الحسنة وحدها لا تكفي!!

A A
كما هو معلوم للجميع أن النية أمرها عظيم، وهي روح الأعمال، وبها صلاح الأعمال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل الأحاديث التي رواها الإمام البخاري في صحيحه: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى..»، والنية محلّها القلب، فلو لفظ بلسانه غلطًا خلاف ما في قلبه، فالاعتبار في الأجر والمثوبة بما ينوي، لا بما لفظ، وقد أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عِظَمِ مَوْقِعِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَكَثْرَةِ فَوَائِدِهِ وَصِحَّتِهِ، وقوله: «لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، وقال ابن القيِّم رحمه الله تعالى: «النية قصد فعل الشيء، فكلٌّ عازمٍ على فعل، فهو ناويه، لا يتصوّر انفكاك ذلك عن النية، فإنه حقيقتها، فلا يمكن عدمها في حال وجودها، ومن قعد ليتوضأ، فقد نوى الوضوء، ومن قام ليُصلِّي، فقد نوى الصلاة، ولا يكاد العاقل يفعل شيئًا من العبادات ولا غيرها بغير نية، فالنية أمرٌ لازم لأفعال الإنسان المقصودة، لا يحتاج إلى تعبٍ ولا تحصيل. ولو أراد إخلاء أفعاله الاختيارية عن نيِّته، لعَجزَ عن ذلك. ولو كلَّفه الله -عز وجل- بالصلاة والوضوء بغير نية، لكلَّفه ما لا يطيق، ولا يدخل تحت وسعه.

إن النية تُؤثِّر في العمل، فتُحوِّل المباح إلى قربة وطاعة، وتُحوِّل الطاعة إلى معصية، كمَن يفعلها رياء وسمعة، أو لأجل الدنيا، لكنها لا تُحوِّل المعصية إلى مباح، كما يظن بعض الناس. فالأعمال تنقسم إلى معاصٍ، وطاعات، ومباحات، وتأثير النية في المعاصي، لا تتغيَّر عن موضعها بالنية، فلا ينبغي أن يفهم من ذلك من عموم قوله عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيات»، أن المعصية تنقلب طاعة بالنية، كالذي يغتاب إنسانًا مراعاة لقلب غيره، أو يُطعم فقيرًا من مال غيره، أو يبني مدرسة أو مسجدًا أو رباطًا بمالِ حرام، وقصده الخير، فهذا كله عن جهلٍ لنفسه.

أليس من الإيجابية أن ترغب في فعل الخير؟، وأن تملك الرغبة في مساعدة الآخرين؟، أكيد الجواب نعم، فعندما يكون لديك نية لمساعدة الناس، وإضافة قيمة لهم، فإن ذلك يجعلك شخصاً أفضل، لكن إن كنت لا تقوم بذلك على نحوٍ متعمِّد، فإن الأمر لن يُحدِث فرقاً.

هناك فرق كبير بين الاكتفاء بالنوايا الحسنة والعيش المتعمِّد وتنفيذها، فكلمات النوايا الحسنة دائماً ما تكون رغبات وأمنيات، ويوم ما؛ خيال وآمال وعاطفة، أما كلمات العيش المتعمِّد، فهي أفعال وأهداف، وإستراتيجية وتأكيد وانضباط، وبهذا يتم تحويل النوايا الحسنة إلى مبادرات ذات أهمية، وأثر في حياة كل من حولنا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store