Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عادل خميس الزهراني

رأيٌ «غير متخصص» في «اختبار القدرات»

A A
انشغل المجتمع السعودي مؤخرًا ببعض التسريبات التي ظهرت في الصحف عن دراسة وزارة التعليم لقرارٍ يدور حول إلغاءِ شرط اختبار القدرات على الطلاب والطالبات للقبول في الجامعات، وقد أخذت الأخبار غير الرسمية حيزًا كبيرًا من النقاش والجدل حتى بعد أن أعلنت هيئة تقويم التعليم والتدريب في بيان مستقل عدم صحة شائعة الإلغاء.

وقد وجدت نفسي جزءًا من هذا الجدل، حينما طُلب مني -بصفتي كاتبًا ومنسوبًا من منسوبي التعليم لا بصفتي متخصصًا- أن أشارك في حلقة تلفزيونية لمناقشة القضية ومحاولة الوقوف على أبرز الجوانب الإيجابية والسلبية لاختبار القدرات من منظور مراقب قريب.

وقد كان رأيي مخالفًا لتوجه طاقم البرنامج كما لاحظ المتابعون، فقد كنت مع الاختبار بينما كان البرنامج داعمًا لإلغائه، ولكلٍ أسبابه ومبرراته بطبيعة الحال.. من جهتي لا زلت أرى أن الاختبار يحقق مبدأ العدالة بين خريجي وخريجات الثانوية، بحيث يقيس قدراتهم/ـهـن في الفهم والتحليل والربط والتفكير النقدي، وهو ما يساعد الجامعات للوقوف على مدى جاهزيتهم/ــهن للمرحلة الجامعية. نتائج الاختبار وإحصاءاته تمثل فرصة للمسؤولين لمعرفة جوانب الضعف ومكامن القوة في مخرجات التعليم أيضًا.

ورغم تفهمي لما قد يمثله الاختبار من ضغط نفسي على الطلبة، فقد ذكرتُ أيضًا أن الإجراءات والإمكانات والمعلومات التي يتيحها المركز الوطني للقياس، ووزارة التعليم تسهم في تخفيف ذلك الضغط كثيرًا، وتدفع نحو التعامل مع الاختبار بجدية وتنظيم (يمكن للطلبة عمل الاختبار خمس مرات خلال عامين دراسيين كاملين).

وأضيف أيضًا أنه لابد أن نثق في أهل التخصص الذين يقفون خلف هذا الاختبار وغيره، والتاريخ الحديث يثبت أن الطريقة الأمثل لتطوير التعليم تكون بالاعتماد على المتخصصين أصحاب الكفاءة العالية؛ هذه الكفاءة تكون ناتج الخبرة الميدانية المعمقة، والتدريب الأكاديمي المميز (أخص برامج الدراسات العليا المتطورة). ومن خلال معرفتي بعدد من أعضاء الهيئة والزملاء والزميلات في المركز فإني مطمئن لتوفر الكفاءات المميزة.

لكن هل يعني هذا أني أقف ضد النقد والمراجعة والسعي الدائم والدؤوب للتطوير وإيجاد الأفضل المناسب للعصر؟! لا أعتقد أن عاقلاً يمكن أن يفعل ذلك.. بل إن التطوير لابد أن يكون هاجسًا دائمًا لدى المسؤولين عن التعليم، فهو أساس المستقبل، وعمود الخيمة في عملية التنمية الوطنية.

أعترف أن لدى الطلبة وأولياء الأمور والمجتمع كاملَ الحق في القلق على مستقبل أبنائهم وبناتهم، وهم يواجهون الضغط الكبير الذي يبدو أن الاختبار يسهم في تضخيمه، ما يجعل حدة التوتر سمة للنقاش حوله.. كما أني أعترف للإعلام بحقه في طرح الموضوع من عدة اتجاهات، والميل إلى الحل الذي يراه مناسبًا أحيانًا، فهو شريك في التنمية ودوره مهم في طرق الأسئلة وكشف الأخطاء وإبقاء جذوة التغيير والتطوير مستمرة، لكنه -أي الإعلام- مطالب في الوقت ذاته أن يقوم بدوره بحيادية دون تعصب لرأي أو هوى، حتى يكون مساهمًا حقيقيًا في التنمية لا عائقًا في طريقها.

ولعلي أختم بالإشارة إلى أن اختبار القدرات -وفقًا لرأي كثير من المتخصصين والمتخصصات في القياس والتقويم- لا يزال أحد «أنجح» الحلول المعيارية التي توصلت إليها النظريات التربوية الحديثة لقياس مهارات الطلاب، ولذلك نجده معتمدًا في معظم الدول الرائدة والمتقدمة في مجال التعليم، من أهمها على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية؛ التي يطبق فيها اختبارا الـSAT وACT، منذ عام 1925م وحتى يومنا هذا، رغم ما يثار من جدل اجتماعي وإعلامي حولها. تتهم هذه الاختبارات باتهامات مشابهة؛ يأتي في مقدمتها السؤال الأزلي حول مدى قدرة هذه الاختبارات على قياس المهارات والفروق الفردية بين الطلبة، كما يعزى للاختبار ذنبُ حرمان كثير من الطلبة من فرص مستحقة، وهناك دومًا من ينتقد بُعدَ واضعي مثل هذه الامتحانات عن واقع الميدان التعليمي وما يحدث فيه، ومن يرى أن في مثل هذه الاختبارات إلماحًا إلى عدم ثقة المسؤولين في مخرجات تعليمهم الذي يديرون دفته.

هذه الملاحظات «والاتهامات» تتكرر في كل بلد يعتمد تطبيق اختبار القدرات، ويبدو لي أن لا مهرب للقائمين على تطوير التعليم وتقويمه من التعامل معها بجدية وحرص كافيين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store