Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

«وُلِدَ ملكاً»: الملك فيصل رائد السياسة الخارجية السعودية

A A
تزامنت ذكرى 6 أكتوبر مع عرض فيلم «وُلِدَ ملكاً»: (Born a King) في دور العرض السينمائي في المملكة والخليج وجميع أنحاء العالم.

وهذا الفيلم العالمي الكبير الذي كنا ننتظره بكثير من اللهفة والترقب يحكي قصة زيارة الملك فيصل بن عبدالعزيز شهيد القدس رحمه الله إلى بريطانيا عام 1919م وكان وقتها فتىً يافعاً في الرابعة عشرة من عمره، والفيلم كما هو معروف إنتاج مشترك سعودي، بريطاني، إسباني، أخرجه أغوستي فيارونجا، المخرج العالمي الإسباني المعروف.

وتزامُن عرض الفيلم مع ذكرى 6 أكتوبر، له معانيه ودلالاته وإيماءاته حتى لو لم يكن مقصوداً، فالملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله كان له دور كبير في الانتصارات التي تحققت في حرب 6 أكتوبر 1973م، إن لم يكن دوره الأكبر على الإطلاق، حين أمر وقتها بقطع إمدادات النفط عن أمريكا ودول غربية أخرى كانت داعمة وقتها لإسرائيل، وكان لذلك الأمر الشجاع أثره القاطع والفيصل بين الجد واللعب وأثر تأثيراً كبيراً على ميزان القوى وأسهم إسهاماً مفصلياً في ترجيح كفة العرب على كفة الصهاينة وتحقق نصر لم يتحقق مثله حتى الساعة.

ناهيكم عن مواقف بطولية أخرى كثيرة للملك الشهيد في ترسيخ قواعد التضامن الإسلامي وسعيه الدؤوب لتحرير القدس وحلمه بالصلاة في المسجد الأقصى، عدا كل مظاهر النهضة التي شهدتها المملكة في عهده داخلياً وتصدرها للعالم الإسلامي خارجياً.

وأنا: كاتب هذه الكلمات وأبناء جيلي منَّ الله علينا بأن عشنا عهد الملك الكبير ونحن راشدون منذ توليه مقاليد الحكم حتى استشهاده عام 1975م. وأذكر بكل فخر أني وزملائي من طلاب جامعة أم القرى وكانت شطر جامعة الملك عبدالعزيز بمكة المكرمة أصدرنا عدداً خاصاً من مجلة: «ندوة الطالب» التي كنا نعدها ونخرجها بالكامل، عن الملك الشهيد بعد عام من وفاته، أهم ما فيه أن معظم مواده ومقالاته وقصائده كانت من كتابات وإبداعات الطلاب، وقد تشرفت بأن أهديت نسخة من هذا العدد لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة مستشار خادم الحرمين الشريفين في إحدى فعاليات معرض «الفيصل.. شاهد وشهيد»، والتي شاركت فيها بورقة علمية عن الملك الشهيد.

أعود للحديث عن الفيلم الذي أوصل فكرة واضحة لكل من شاهده تقول إن الفيصل رحمه الله كان له قصب السبق في ترسيخ العلاقات القوية بين المملكة -التي كانت لم توحّد بعد- وبين الدول الكبرى التي كانت بريطانيا في مقدمتها آنذاك إبان انتهاء الحرب العالمية الأولى، وقد أوفد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن ابنه الثالث فيصل بن عبدالعزيز وهو ابن الرابعة عشرة ليمثل أباه الذي كان «أمير نجد» وقتها كما ظهر في الفيلم، للقاء ملك بريطانيا وكبار مسؤوليها وبدء علاقات تعاون وتفاهم بينهم وبين الملك المؤسس، قبل أن يقدم عبدالعزيز على اتخاذ الخطوات اللازمة لتوحيد الجزيرة العربية التي فتَّتها الشتات والانقسام في ذلك العهد، وكان أصحاب القرار في بريطانيا وقتها وفي مقدمتهم «اللورد كوروزون» ومن ورائه لورنس يميلون إلى الشريف حسين حتى أن الأمير فيصل سمع وهو في بريطانيا أن البريطانيين وافقوا أن يولوه حكم الجزيرة، فلم يهدأ له بال حتى قابل ملك بريطانيا ووثق العلاقة معه، وأوشك أن يعود لتمنّع اللورد كوروزون عن مقابلته، بعد أن حاول مرافقوه الضغط عليه بشدة للعودة، ولكنه اتخذ القرار بنفسه وعارض رأي كل مرافقيه، وأصر على البقاء، حتى أقنع اللورد كوروزون بالعدول عن رأيه وأبدى كل استعداده واستعداد بريطانيا لإقامة علاقات تعاون وصداقة مع دولة عبدالعزيز الناشئة، وعاد الفيصل بعد عدة أشهر إلى وطنه واستقبله والده الملك المؤسس استقبال الفاتحين بعد أن علّمه أن سلاح السياسة أمضى من السيف، وكان الفيصل وهو فتى يافع قد التقى في بريطانيا مع شخصيات بريطانية كبيرة مثل مونتوجيو، وتشرتشل ونال إعجابهم جميعاً.

وباختصار: لولا توفيق الله لهذا الفتى الباسل الشجاع في تغيير السياسة البريطانية تجاه دولة عبدالعزيز الناشئة وقتها، لكان مجرى الأحداث برمته سيتغير، وهذا التوفيق من الله هو الذي يسَّر لعبدالعزيز توحيد ذلك الشتات، وتأسيس دولة الحق والعدل.

لقد ورث الفيصل رحمه الله الريادة والحنكة في كل أمور الدولة عن أبيه الملك المؤسس، وورَّث ذلك لأبنائه من بعده، وفيما يخص السياسة الخارجية كان الأمير سعود الفيصل رحمه الله أكثر وزراء الخارجية العرب دراية وروية وحنكة حتى يوم الناس هذا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store