Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م.سعيد الفرحة الغامدي

سوريا في مهب الريح..!

A A
من بداية الأزمة السورية كتبت عدة مقالات بعناوين مختلفة نُشرت في صفحة الرأي وفي كتابي «السعودية والمشهد العالمي» الذي صدر في 2018م، وبه مقال سابق بنفس هذا العنوان بتاريخ 8/2/ 2016م، كان له طابع استشرافي لما كان متوقعاً حدوثُه في ذلك الوقت، ومع الأسف الشديد أن كل التنبؤات التي وردت في المقال المشار إليه والمقالات السابقة عن سوريا أصبحت أمراً واقعاً في المرحلة الحالية، وكما قال الشاعر: «نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا».

الهجمة التركية الأخيرة على شمال سوريا تعبر عن ضياع وإهمال ووهن أصاب العالم العربي حتى طمع فيه الطامعون وانقضَّت عليه الوحوش المفترسة، كل يأخذ ما استطاع من الفريسة. قُتل مليون نسمة من الشعب وشُرِّد عشرة ملايين من أجل حماية رأس بشار الأسد. روسيا حمت النظام من الشعب وشاركت وشجعت على استخدام أسلحة محرمة وبراميل الكيميائي ضد النساء والشيوخ والأطفال وشعب أعزل من السلاح، وأسست قواعدها العسكرية على شواطئ المتوسط وفي العمق السوري، وهذا ما لم تكن تحلم به في عهد الحرب الباردة قبل تفكك الاتحاد السوفييتي.

أمريكا المترددة والمتراجعة أعطت إسرائيل الجولان التي أصبحت تصول وتجول في أجواء سوريا متى أرادت وكيف تشاء. وإيران توغلت بنفوذها الشيعي من خلال العراق وحزب الله في لبنان وأصبحت شريكًا في الحرب ومستقبل سوريا بكاملها.

تركيا كانت على الدوام تترقب الفرص للتوسع في سوريا من خلال حدودها وأطماعها التاريخية مثلما حصل للأسكندرون سابقًا.

الهجمة الأخيرة تحصل بمؤامرة دولية على تمزيق سوريا التي كانت أحد أركان النظام العربي منذ خلافة الأمويين وأصبح اليوم بحق وحقيقة في مهب الريح والعالم العربي لا يجد ما يقدمه سوى التصريحات والشجب.

الأمم المتحدة التي تئن بين أنياب الدول الكبرى على وشك الانهيار سياسيًا وماليًا لأن الراعي الكبير -أمريكا- أصبحت تعيش أزمات متلاحقة وغير مسبوقة في الداخل متمثلة في السعي لإزاحة الرئيس ترامب وانتشار الفوضى في بعض ولاياتها، والأزمة الاقتصادية تلوح في الأفق بانهيار مالي شبيه بما حصل في بداية ولاية الرئيس أوباما الأولى.

ولهذه الأسباب وغيرها أعطى الرئيس ترامب الضوء الأخضر لأردوغان باجتياح الحدود السورية وتشريد السكان وقتل المقاومة وهذه فضيحة أخرى ترتكبها أمريكا بالتخلي عن الأكراد الملاحقين من إيران والعراق وسوريا وتركيا التي تعد العدة للقضاء عليهم في محرقة شبيهة بمحرقة الأرمن الشهيرة. وأوروبا كل ما يهمها أن تحد من تدفق اللاجئين المشردين من سوريا إلى شواطئها ومدنها بأعداد تفوق طاقة استيعابها لتوفير ملاذ إنساني للهاربين من جحيم الحرب الذي تشنه تركيا على سوريا.

المأساة الإنسانية تفوق كل التصورات وتضع الضمير العالمي في قفص الاتهام لما حصل للشعب السوري من بداية الربيع العربي وأخيرًا العدوان الهمجي من قبل تركيا أوردغان على الأكراد وتضع سوريا الأرض والشعب بكامله في مهب الريح ..!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store