Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

قصّة امرئ القيس ووزارة العمل!!

A A
بالصُدفة التي هي خيرٌ من ألف ميعاد، كنُتُ أتسوّقُ عصْراً في أحد أسواق جدّة الشعبية الكبيرة، فشعرْتُ بحِراك عمالة غير عادي، ثمّ سَمِعْتُ من بعض المُتواجِدِين في السوق عن تفتيش وشيك الحصول من وزارة العمل للتأكّد من تقيّد المحلّات بأنظمة توظيف السعوديين الذين ـ يا حرام ـ تعطّلُوا عن العمل في وطنهم!.

وما هي إلّا دقائق حتّى انقسمت المحلّات (بعامليها الوافدين الذين أعتقد أنّهم هم أصحابها وليس المواطنين السعوديين المُتستِّرِين عليهم) إلى ٣ أقسام، في عملية كرّ وفرّ مستمرّة مع الوزارة للالتفاف حول أنظمة توظيف السعوديين وتجنّب الغرامات المالية!.

وأبدأ بالقسم الأول الذي أغلق أبوابه، وعلّق عليها ورقة مكتوباً عليها بأنّ المحلّ مُغلَق مؤقّتاً لتغيّب الموظّف السعودي حالياً عن الدوام، وبقي العاملون الوافدون داخل المحلّ ينتظرون الفرج الذي هو إمّا عدم حصول التفتيش أو مغادرة المُفتِّشين للسوق دون المرور على المحلّ، والورقة هي إمّا لذرّ الرماد في العيون ومحاولة الضحك على الوزارة، وإمّا أنّها اتهام مباشر للموظّف السعودي بأنّه مُتسيِّب، وكان الله في عون الموظف السعودي الذي يُشوِّه الوافدون صورته!.

والقسم الثاني قد أغلق أبوابه كذلك، لكن لم يبقَ في المحلّ أحد، ووقف عاملوه الوافدون بأطراف السوق كأنّهم مُتسوِّقون، ينتظرون الفرج مثل وافدي القسم الأول، وربّما كانت لديهم مخالفات تخصّ أنظمة الإقامة، فآثروا الابتعاد لعشرات الأمتار ومراقبة المشهد عن بُعْد، منتهزين استحالة تفتيش المُتسوِّقين!.

والقسم الثالث قد فتح أبوابه، وأجْلَسَ امرأةً مُنقّبة على كرسي، لا تفعل شيئاً سوى الجلوس، زاعماً أنّها الموظّف السعودي المطلوب، فإن كانت سعودية ووظيفتها فقط هي إظهار المحلّ كمُتقيِّد بالأنظمة فتلك مصيبة، وإن كانت وافدة من جنسية العاملين الوافدين، وتلبس النقاب لتبدو أنّها سعودية فالمصيبة أعظم!.

وسؤالي الذي أطرحه هو: من الرابح في هذا الكرّ والفرّ؟ هل هم الوافدون الذين يتعاملون مع الوزارة كما قال امرؤ القيس عن حصانه المُقاتِل؟:

مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معاً..

كجُلْمُودِ صخْرٍ حطّه السيْلُ من عَلِ!.

أمّ وزارة العمل وبالتالي المواطنون السعوديون الذين يتمنّون العمل في المحلّات برواتب لائقة ولا يستطيعون لذلك سبيلاً؟.

أعتقد، وأتمنّى أنّني مخطئ، بأنّ الوافدين هم الرابحون، وهذا يعني ضرورة إعادة الوزارة لنظرها في إجراءات ضمان توظيف السعوديين، فإنّ كان وافدون نصف مُتعلِّمين في سوق شعبية قد أذهلوني بحيلهم الناجحة للالتفاف حول أنظمة التوظيف، فما بالكم بشركات وقطاعات أكبر تعجّ بالوافدين وتكاد تخلو من السعوديين؟.

ولو بُعِثَ امرؤ القيس من قبره، لقال إنّ هذا الكرّ والفرّ هو الذي يجب إخضاعه!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store