Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

مهنة التحليل السياسي إلى بوار!!

إضاءة

A A
لا أظن أن محللاً سياسياً واحداً بات يشعر بالرضا عما كتبه أمس او الأسبوع الماضي أو الشهر المنصرم أو العام السابق!

بات كل شيء غامضاً وكل اجتهاد خاطئاً وكل رؤية مشوشة بل ومعتمة!

تشابكت الأمور وتعقدت وأصبحت المواقف متغيرة بتغير الساعة وليس اليوم أو الشهر أو السنة!

تابع ما يجري من تحولات في سوريا أو في أي ساحة صراع أخرى.. تابع ما يجري في العراق أو في ليبيا أو حتى في السودان وتونس!

يجتهد المحلل السياسي في الطرح جامعاً أو حاشداً أو سائقاً كل ما لديه من معلومات ومن خبرات وأثناء كتابته أو تحليله على الهواء تبرز على السطح مواقف مغايرة لما يتبناه أو يدافع عنه!

ولقد كان من الممكن أو من الوارد والجائز أن يكون مصدر النفي أو التفنيد هو الجهة المضادة لما يتم طرحه، لكن النفي بل النسف للأطروحة كلها يأتي من نفس المصدر أو الجهة التي ينطلق المحلل في تحليله منها!

خذ على سبيل المثال عشرات المحللين السياسيين الخائضين في موضوع سد النهضة، أو موضوع الانسحاب الأمريكي من شرق سوريا أو موضوع وقف اطلاق النار في عموم السودان أو موضوع غياب الاستقرار في العراق أو موضوع التوازنات في لبنان..

أنت لا تستطيع الإفتاء في سد النهضة والهجوم على آبي أحمد لأنه زار اسرائيل أو دعا نتنياهو.. عندك ثغرة!

وأنت لا تستطيع مهاجمة ترامب أو التصفيق له في الصباح لأنه سيخرج لك لسانه في المساء..

أنت لا تستطيع أن تهاجم فصيلاً محدداً في السودان يظهر أمامك وكأنه ضد وقف إطلاق النار، لأنك دون أن تدري تطلق نيران قلمك! وهكذا!.

والحق عندي على الأقل أو من وجهة نظري أن مهنة التحليل السياسي من كثرة فشل الرهانات أو الأطروحات أو الاجتهادات في طريقها للبوار!

المحلل الجاد بات يرتعش ورؤيته أصابها الغبش، لأن مصادر معلوماته نفسها لا تدري في الصباح ما الذي سيجري لها ومعها في المساء!

عن المحللين السياسيين الحقيقيين أتحدث، وليس عن المحللين لكل شيء والمفتين في كل شيء.. عن مهنة وقيمة التحليل السياسي الواعي والهادف أتحدث وليس عن التطبيل أو الطبل الأجوف!

أدرك كما يدرك الجميع أن السياسة هكذا وأنها احياناً أشبه بلعبة متغيرة لكني بت أكثر إدراكا لخطورة أن يصبح المحلل السياسي حاوياً أو أراجوزاً.

الفرق الوحيد بين الأراجوز الذي تحركه أصابع الفنان في السيرك الكبير وبين المحلل السياسي أن الأخير بات لا يعرف ما اذا كانت حركاته التي يؤديها مضطراً ستعجب المحركين أم لا!

ضاقت المسافات حتى تلاشت بين المحلل السياسي والمحلل الفني .. فالكل يرقص أو ينزف من رصيده وتاريخه.. مذبوحاً من الألم.. هذا إذا كان عنده دم.

في المقابل وشيئاً فشيئاً ينصرف القارئ الى الأطروحات المضادة فيدمنها أو يتبناها حتى وإن كانت خاطئة!

أنت لا تسطيع أن تلقنه أو تعوده على المقولات والأطروحات الجاهزة.

إنها أزمة أمة لم تعد عنصراً فاعلاً وإنما مفعولاً به طوال الوقت.. ولأنها كذلك فأنت كمحلل سياسي لا تدري ما الذي سيحدث في المساء حتى تتبناه أو تكتب أو تتحدث عنه في الصباح.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store