Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

لبنان يحترق

A A
تابعنا كما تابع العالم كله قبل أسبوعين، الحرائق التي نشبت في غابات لبنان وأحراجه، وأتت على نسبة كبيرة منها، لتقضي على جزء مهم من أجزاء الثروة الطبيعية اللبنانية الجاذبة لكثير من زوار ومحبي «لبنان الأخضر» كما يقولون، وشاهدنا بكثير من الترقب وقتها عجز الجهات اللبنانية المسؤولة، وفي مقدمتها الدفاع المدني عن التعامل مع هذه الحرائق التي شبَّت في مناطق عدة في آنٍ واحد، ما يجعل إمكانية كونها من فعل فاعل قائمة.

وقد كُشفت «عورات» تلك المؤسسات والجهات حين تبين أنها لا تمتلك أياً من الاستعدادات والإمكانيات للتعامل مع كوارث محتملة كتلك في بلد يعج بالغابات والمساحات الخضراء، فليس لدى لبنان أي طائرات خاصة بإطفاء الحريق، واضطرت الحكومة لأن تستنجد بدول مجاورة كقبرص واليونان وتركيا، لإرسال أي طائرات أو معدات تساعدها على إخماد ألسنة اللهب التي وصلت إلى كثير من المنازل والأماكن المأهولة وهددت السكان بالهلاك، وتبيَّن لاحقاً أن لدى الحكومة اللبنانية طوَّافتين (هليكوبتر) أكل الدهر عليهما وشرب، تعود سنة صنعهما إلى مطلع السبعينيات الميلادية، ولم تستعملا منذ ذلك الحين فصدئتا وتوقفتا عن العمل. والأدهى والأمرُّ أن فتح ملفات هاتين الطوافتين المتهالكتين أظهر عملية فساد كبيرة في شرائهما، إذ تبين أنهما هدية من دولة ما، في الوقت الذي سُجِّل فيه على الدولة ملايين الدولارات قيمة شرائهما، وقد عرضت الشاشات صورة لإحدى الطوافتين تثير الضحك والحزن في آنٍ معاً، ولم نرَ في حياتنا شيئاً يشبهها، ولم يُخلق مثلها في البلاد.

وفي المحصلة، لولا لطف الله ورحمته وهطول الأمطار الغزيرة على كل المناطق التي شبَّ فيها الحريق لأتت النار على كل «لبنان الأخضر». وما إن خمدت تلك النار، حتى اشتعلت نيران أخرى في الشارع اللبناني في كل المناطق فيما يشبه الثورة الشعبية على الفساد، والمحسوبية وسوء الإدارة، وما تمخض عن كل ذلك من فقر وجوع وبطالة وغلاء وانعدام للخدمات، وسوء حال، ولأول مرة يهتف المتظاهرون: «الشعب يريد إسقاط النظام»، ولأول مرة يهتفون بسقوط مراكز قوى ظلت جاثمة على صدر الشعب اللبناني لعشرات السنين، ليطالوا رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، والمنظومة الحاكمة برمتها، ويدعوا مباشرة لتغيير الحكومة، وكان ذلك إثر الإعلان الحكومي عن ضرائب جديدة وأعباء إضافية تثقل كاهل المواطن المطحون أصلاً، الذي لا تتوفر له احتياجاته المعيشية الضرورية، فكان ذلك بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. وظل «حزب الشيطان» صامتاً خلال حرائق الغابات، وحرائق الشارع، إلى أن أحس بأن النار ستطال لحيته، وبعد أن سكت أمينه غير الأمين دهراً، نطق كفراً، وصرح بلغة التهديد كعادته ليقول: إن العهد لن يسقط وإلا..... وتصريحه هذا بالطبع لم يكن حرصاً على مصلحة الشعب اللبناني، بل على مصلحته ليبقى في السلطة، بل ليبقى هو السلطة نفسها التي تُحرِّك بأصابعها دُمَى المسؤولين اللبنانيين كلهم، ولم يقتنع الشارع اللبناني بكلمة الحريري التي تضمنت تنازلات كثيرة ووعوداً تترى، وإجراءات طالت مخصصات الوزراء والنواب والقضاة وسواهم، كما لم يقتنع الشارع أيضاً بكلمة رئيس الجمهورية ميشال عون، ولا بكلمة وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، واعتبر خاصة الناس وعامتهم أن كل تلك الوعود إنما هي: مواعيد عرقوب.

وحتى كتابة هذه السطور، ما تزال الشوارع في كل مناطق لبنان، تغصُّ بالمتظاهرين، الذين لا يرضون بديلاً عن إسقاط الحكومة، ويتصدى لمطالب الشعب حسن نصر الله وجنوده الذين يهتفون نهاراً جهاراً بتأييدهم للخميني، وخامنئي، ليكشفوا للجميع عن ولاءاتهم الحقيقية، التي ليس فيها أي ولاء للبنان. ويبدو أن القيد أوشك أن ينكسر. وإن غداً لناظره قريب.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store