Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

الصامتون في ذكرى المولد النبوي الشريف

A A
في شهر ربيع الأول من كل عام، تحدم النقاشات، ويصطخب الجدل، حول الاحتفاء بذكرى مولد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بين مُؤيِّد للاحتفاء بالمناسبة، ومُعارض لها لأسبابٍ غير مقنعة أو منطقية، مع أنه لا يُعارض الاحتفالات بالمناسبات الوطنية أو العالمية، فقط ذكرى مولد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، تستفز طاقاتهم السلبية للتخويف والتهويل، وأحيانًا حدّ التكفير، بينما لا تُمثِّل المناسبة سوى إعادة ضخ الذاكرة بمولد خاتم الأنبياء، وأعظم مولود على في تاريخ البشرية جمعاء، وهي اجتماع للذِّكر والتَّذكير، خالية من البدع التي يُروِّجون لها، ويُشوِّشون بها أذهان العامة والبسطاء.

بين هؤلاء وأولئك، أي بين المُؤيِّدين والمُعارضين، كثرة عظيمة صامتون، يحتفون بالمولد الشريف عن قناعة ويقين أن هذه الاحتفالية ضرورة تاريخية ومهمة اجتماعية لتعريف الأجيال بكل تفاصيل مولد نبيّهم العظيم، وما اكتنف ولادته وطفولته وحياته من صعوبات، وما عاناه من يُتم وفقر، وأذى ذوي القربى، وهو حبيب الله ورسوله وخير خلقه.

سرد تفاصيل حمل السيدة آمنة بنت وهب بخير الخلق أجمعين، بالنور المبين، وكل ما اكتنف حمله وولادته ورضاعته من خيرٍ وبركة تُنبئ عن الشأن العظيم لمستقبل طفل مُنِي باليُتم وهو لا يزال جنينًا؛ مات والده وهو لا زال جنينًا في رحم آمنة بنت وهب، ثم فقد أمه وهو لا يزال طفلاً رضيعًا لم يتعدَ العامين، يتيم تحوطه البركة أينما حل، ويتنزَّل حبه في القلوب.

في كل مرة أحضر ذكرى مولده -صلى الله عليه وسلم- لا أتمالك نفسي من البكاء عند هذه الفقرة من قصّة يُتمه، لا أتمكَّن من السيطرة على دموعي تهطل بغزارة وأنا وسط جمع نسائي كبير، لا أشعر بالخجل أو الضعف وأنا أرى الدموع تترقرق في مآقي الكثيرات، أقول هذا لمن لا يزالون يُقاومون الاحتفاء بذكرى مولد المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ربما بعضهم لا يعرف ما هو المولد، وما هي طقوسه، يُعارض لمُجرَّد المعارضة، سألتُ مرَّة إعلامي معروف كتب مقالة يُهاجم فيها إحياء مولد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كنتُ وقتها خارج المملكة، لكني لم أتمكَّن من كبح جماح الاستفزاز الذي ضخَّه المقال بما اشتمل عليه من مغالطات، اتصلتُ بكاتب المقال، وتحمَّلت تكلفة المكالمة الدولية الطويلة، لأطرح عليه سؤالاً واحدًا فقط: هل حضرت احتفالية إحياء ذكرى المولد النبوي؟، وكانت إجابته صادمة، حيث قال: لا، لم أحضر، ولكن لا أخالف مشايخي!.

لا أريد سرد الحوار الطويل الذي دار بيني وبينه في ذلك الوقت، ربما أكثر من عشر سنوات، لكني أدركتُ منذ ذلك الحين أن بعض المعارضين لا يعرف ماذا يدور في احتفالية ذكرى مولد الرسول -صلى الله عليه وسلم- من تلاوةٍ وأدعيةٍ وسرد منغم لذكرى مولد الرسول وبعثته، وما تعرَّض له مِن أذى، قابله بالصبر والإصرار على الاستمرار في دعوة قومه، كل هذا يُمثِّل إحياء للقدوة، وهو خير مقتدى به،

فمَن أعظم مِن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لتسرد ذكرى ولادته ويُتمه وفقره وأخلاقه العظيمة، التي لا يمكن ترسيخها في القلوب والعقول إلا من خلال هذه الاحتفاليات التي تجمع بين الذكرى والعِبرَة والمتعة. ليست بدعة، ولا تُشبه الموالد التي أقامها الفاطميون في مصر للتغطية على الفساد، وإلهاء الشعب عن مشاكله بالموالد التي تُمدُّ فيها الموائد، وتُحييها الراقصات والمداحين، المولد النبوي في الحجاز، ذِكر وإنشاد وتذكير؛ قرآن ودعاء وسرد تاريخي، لا بدع فيها ولا كذب ولا تضليل! لذلك أدهش ممَّن يُهاجم هذا الإحياء لذكرى المولد النبوي الشريف دون أن يحضر ويُشاهد ويتعرَّف على ما يحدث معرفة حقيقية، ولأني أُواجه كثيراً بعض من السيِّدات ممَّن تُهاجم، فأطرح عليها ذات السؤال: هل حضرت مولد، فتأتي الإجابة بكل صلافة: لم أحضر ولا أريد أن أحضر هذه البدعة!.

مثل هؤلاء لا يمكن مجادلتهم، فمثلهم مثل الجاهل، الذي إن جادلته غلبك بجهله!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store