Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
حليمة مظفر

«التفاهة» بين «النسويّة» و «النسونجيّة» !

A A
أتأمل الجدل حول «النسويّة» بعد نشر خبر مغلوط عن تجريمها ثم نفيه والاعتراف بها كمصطلح لا يستحق التجريم، لأن وجودها كمصطلح يؤكد تقدميّة وإنسانية المجتمعات المُتحضرة التي تصب في صالح حقوق المرأة وهو ما تسعى إليه وتحققه الدولة السعودية وعززته بوضوح في رؤية 2030 لتعيش عهدها الذهبي وتتمتع بكامل حقوقها وفق منهج الإسلام الذي جاء بـ»النسوية» منهجًا لا كمصطلح قبل 1400 عام لتأكيد إنسانيتها ومساواتها بالرجل تمامًا.

وأتساءل حين أتأمل الجدل الدائر: هل هو صحي فعلا أم «هرطقة» لا تفضي إلا إلى تلوث معرفي حاصل فعلا! فكلٌ في «النسويّة» يغني على ليلاه! ومؤسف أن بعض الأسماء تتجه لجدل «عقيم» هي محسوبة على النخب والطبقة الأكاديمية التي من أهم أبجدياتها الأكاديمية تحرير المصطلحات ومعانيها! ولا ترى سوى قلة ممن يتحدث فيها بمنهجية معرفية.

لقد غردتُ منذ أيام في تويتر: «نعيش أزمة مصطلحات أم أزمة معرفة بأصول المعرفة وأدواتها!؟» إذ لا يعقل أن يكون هناك نقاش حول مُصطلح أفرزته مذاهب فكريّة ونظريات اجتماعية وفلسفات أخلاقية ويتم تناوله بهشاشة في جدل لا يعرف المشاركون فيه ماهيتها! ويبدو أنها نتيجة لانتشار ثقافة «التفاهة» التي انتشرت انتشار النار في الهشيم عبر نجوم ومنقولات مواقع التواصل الاجتماعي الأمر الذي أدى إلى»تتفييه» مصطلحات عميقة! وبصراحة ما يبدو لنا أنه جدل حول «النسويّة» هو قريب من «النسونجية»! وقد يتساءل بعضكم من الذي أقصده؟! بكل التأكيد ليس زير النساء المعنى المتداول لـ»النسونجي» إنما ما أقصده في «النسونجية» أي مناقشة شؤونهن بنظرة ترى المرأة تابعا ناقص الأهلية، ويتم التنظير في أمورها من باب الوصاية الأخلاقية والفوقية الذكورية؛ فيأخذ من «النسويّة» ما يناسبه ويرفض ما لا يناسبه! ويمكن القول إن»النسونجية» بمثابة «فخ فكري» يقع فيه الرجل والمرأة على السواء ممن تشبعوا بثقافة «ذكورية»!

أما «النسوية» أو «الأنثوية» التي تشكلت في أبسط معانيها كمصطلح في القرن 19 لتحقيق مطالبات تخص حقوق المرأة في المجتمعات الغربية، فهي طريقة تفكير «أنثوية» يعتمدها نسويات ونسويون تختلف بحسب ثقافة المجتمعات واتجاهات الأفراد والنظريات الفلسفية والسياسية؛ لهذا تجد «النسوية» متعددة المشارب بحسب الأرض التي نبتت فيها؛ فهناك نسوية اشتراكية، ونسوية ليبرالية، ونسوية راديكالية، ونسوية يهودية، ونسوية مسيحية و نسوية إسلامية إلى آخر هذه المسميات، وكنت كتبتُ مرة مقالا في بداية هذا العام بعنوان «النسوية المتطرفة» تحدثت فيه عن نوع جديد من النسويّة وهي «الداعشية» الإرهابية التي اعتمدتها داعش في تجنيد نسائها إرهابيًا، فيما الوجه الآخر لها النسوية اللاأخلاقية التي تضرب بالأخلاق وقيم الدين ومثل المجتمعات عرض الحائط، وهذه وتلك تطرف مرفوض لا يقبله قانون، بل يتم تجريم انتهاكات مثل هذا التطرف بحسب قانون كل دولة وثقافة المجتمعات وأقرب مثال «الإجهاض» في الولايات المتحدة الذي يعتبر من أهم ما يتم استخدامه انتخابيًا؛ فهناك من يعتبره حقا للمرأة وهناك من يجده انتهاكا دينيا وإنسانيا؛ وتجريمه من عدمه يتبع للنظام القضائي بكل ولاية.

وباختصار؛ هناك من يتطرف في «النسويّة» بتفكير شاذ يخرجها من سياقها الطبيعي وهو مرفوض تمامًا، وهناك المتوازن الذي يضعها في الميزان الحقوقي محققًا بها مكتسبات إنسانية تصب في صالح المرأة وأسرتها وتنمية مجتمعها وهو مطلوب محمود؛ أما التنظير فيها بحسب الأهواء والمصالح الذكورية والشخصنة فهو أمر لا ينم إلا عن جهل يرتع في ثقافة التفاهة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store