Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

لا تُحِبُّنا ولا نُحِبُّها!!

A A
إنّ أفضل ما أستدلُّ به على وجود حُبّ بين الإنسان من جهة وبين الجمادات من جهة أخرى، هو قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن جبل أحد: «جبلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّه»، بمعنى أنّ الحبّ مخلوق في الجمادات، لكنّنا لا نفقهه إذ لم نُؤتَ من العلم إلّا قليلاً!.

وكما تُحِبُّنا الجمادات فإنّها تكرهنا، وهذا من النواميس التي خُلِقَت بها الأشياء، زوجيْن زوجيْن، فهناك الحلو والمُرّ، والجميل والقبيح، والطويل والقصير، وهكذا!.

ومن هذا المنطلق أستطيع القول أنّ بطولة الخليج العربي لكرة القدم بحدّ ذاتها الجمادي لا التجمّع البشري، هي بطولة لا تُحِبُّنا كسعوديين ولا نُحِبُّها، هذه رؤيتي الشخصية، وهذه قناعتي!.

ومظاهر عدم الحبّ هي أنّ كرة القدم في المملكة تُعتبر الأقدم في منطقة الخليج، والأكثر جماهيرَ، والأكبر إمكانيات، والأميز من ناحية المواهب، والأوسع إعلامياً، ويُفترض أن يكون رصيد منتخبنا من الفوز ببطولة الخليج هو الطاغي، لا أن يكون ٣ بطولات فقط تمخّضت بولادات قيصرية عسيرة من أصل ٢٤ بطولة، وفي كلّ نسخة منها سواء تلك القليلة التي فُزنا بها أو تلك الكثيرة التي خسرناها، يرتفع ضغطنا وسكّرنا ونتأزّم معنوياً بسببها، رغم أنّها البطولة الأسهل فنياً من البطولات الآسيوية والعالمية التي يتفوق رصيدنا فيها، ونجد موجتنا تتناغم مع موجاتها مثلما تتناغم موجات الـ FM مع مُؤشّر جهاز الراديو!.

أمّا سبّب عدم الحبّ فهو بسيط للغاية، فالخليجيون هم أشقّاء، وتنافسهم داخل بيتهم الخليجي هو مثل تنافس أبناء العائلة الواحدة في بيتهم، ليس بالضروري في المجال الرياضي فقط بل في عدة مجالات، وتتداخل فيه اعتبارات عديدة، ولا تحكمه سنن ثابتة، وكلّ شقيق يريد التفوّق على شقيقه الآخر ونيل الأفضلية أمام الوالديْن، وهذا طبيعي مع تنافس الأبناء، وبهذا ينال بطولة البيت من يُجيد المناورات النفسية والبدنية داخل حدوده، بينما يختلف الحال لو طلع كلّ شقيق من البيت ونافس الغرباء من بني الأصفر والأسود والأحمر والأبيض، حيث يبرز من تخلّص من قيود البيت ويفشل من حبس نفسه داخل أركانه!.

أنا، وأعوذ بالله من الأنا، أعتقد أنّ انسحابنا الدائم من بطولة الخليج قد يكون مفيداً ومُريحاً ومُثْمِراً لنا، ويُجنّبنا الإرهاق النفسي والبدني كلّ سنتين، ويجعلنا نُركّز على البطولات الرسمية الأهم، وأعني الآسيوية والعالمية، لا سيّما وأنّ الاتحاد الدولي لكرة القدم لم يعترف ببطولة الخليج خلال الـ٥٠ سنة الماضية، ولن يعترف بها خلال الـ١٠٠٠ سنة القادمة، ولنتنافس كأقارب لكن في بيوت الأباعد، ذلك هو المعيار لمعرفة البطل الحقيقي بعيداً عن منافسات أبناء البيت!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store