Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

لماذا يكره أبناؤنا القراءة؟!

A A
• فكرة هذا المقال داهمتني وأنا في طريقي لمعرض الكتاب في جدة.. نفس التساؤلات القديمة المملة؛ عن القراءة ونفورنا المستعصي منها، حتى في زمن ما قبل المحمول؛ فكيف الحال بعد ظهور مالئ الدنيا وشاغل الناس؟!.. تذكرت أن إحدى دور النشر في بريطانيا أعلنت قبل فترة عن خصم بسيط لمن يحجز نسخة قبل طبع كتاب (ضمن سلسلة معروفة للأطفال)، هل تعرفون كم نسخة تم حجزها؟ أكثر من «مائتي مليون نسخة».. أرجو أن لا أكون قد صدمتك، فهذا رقم عادي جداً في أوساط مجتمع يتعامل مع الكتاب كما نتعامل نحن مع ساندوتشات (الشاورما)!.. لاحظ أن الكتاب للأطفال وليس للكبار، وهذا يعني أن هناك 200 مليون طفل وشاب في المجتمعات المتقدمة (قرائياً) مازالوا يملكون الشغف لملامسة الكتاب وقراءته، والتلذذ بوضع التعليقات على هوامشه، وحمله بفخر في القطار، والكافتيريا، والأسواق.. فكيف تنتج تلك المجتمعات هذه الأعداد من عشَّاق القراءة، ونفشل نحن؟!.

• الإجابة هنا تنقسم بين المدرسة والبيت؛ وإن كانت تميل بشكل أكبر نحو المدرسة.. فالتعليم الفعال والواعي يهتم كثيراً بترسيخ القراءة في وجدان الأطفال خصوصاً في المراحل المبكرة؛ لإيمانه الكامل أن المدرسة بكل محتواها من معلوماتٍ ومهارات لا تمثل نقطة في بحر العلوم التي تتعاظم في كل لحظة خارج أسوارها، لذا يرون أنه من المهم تعليم مهارات القراءة والبحث والاطلاع لكل منسوبيها؛ بدلاً من الاقتصار على تحفيظ المناهج المحدودة كما نفعل نحن.. مما يعني أن المدرسة هناك هي المُرّوج الأول للقراءة وليس المكتبات؛ وكل ما يحدث من إقبال على الكتب هو نتاج ما تقوم به المدارس من ترويج للقراءة بطرق غير تقليدية!. بالمناسبة مازلت أحتفظ بكتاب لأستاذنا الكبير «عبدالعزيز الربيع» يرحمه الله كنتُ قد اشتريته في المرحلة الابتدائية بعد أن روَّجتْ له المدرسة وأعلنت عن توفره.

• أكثر ما يفشل محاولاتنا المدرسية في ترسيخ الكتاب في وجدان أبنائنا، هو تلك الطرق التقليدية المملة التي مازلنا نتعامل بها رغم فشلها الذريع.. حيث تتعامل أنظمتنا التعليمية مع الكتاب على أنه خيار إضافي و»هواية مفيدة»، ولا تنظر إليه كضرورة معرفية، وأداة مهمة لبناء الشخصية وتوسيع المدارك وزيادة الوعي ووسيلة للنجاح.. كما أنه لا أحد هناك يقول للطلاب: ركزوا على المنهج فقط، ولا داعي للمعلومات الخارجية؛ حتى لا تتشتت أذهانكم؛ هذه رسائل سلبية خاصة بنا، تسببت في محدودية قدرات عقولنا، وفرضت عليها مسارات ضيقة لبناء الوعي.

• إنَّ كراهية معظم أبنائنا للقراءة ونفورهم منها ليست بسبب الجوال كما قد يعتقد البعض، فهذا النفور موجود منذ فترة ما قبل الجوال، كما أن المجتمعات الأخرى يحمل أبناؤها الجوال.. السر يكمن في فشل الأنظمة التعليمية بمناهجها وأنشطتها في جعل القراءة مهارة وعادة عند الطلاب؛ وعدم إدراكها -فيما يبدو- أن الثقافة والاطلاع والوعي أمور مترابطة، وتراكمية لا تحدث بين يومٍ وليلة كما تعتقد بعض برامج التطوير لدينا التي مازالت تصر على تجاهل ترسيخ القراءة في وجدان التلاميذ، والعلاقة بين المكتبة والمدرسة!.

• أخيراً، هل لاحظت أن الأُسر التي تهتم بالقراءة يخرج منها عادة أبناء مُحبّون للقراءة؟! لا علاقة إذاً للوراثة بهذا الأمر.. بل يحدث ذلك لأن القراءة في تلك الأسر أصبحت منهجاً تعوَّد عليه الجميع. وهذا حديث آخر.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store