Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

التقنية ولغز الأهرامات

A A
حيَّرتِ الأهرامات عقول الباحثِين والمهتمِّين بالتراث المادي البشري المتوارَث عبر الحقب التاريخية المتطاولة، ولعل الغرابة تكمن في بنائها الذي يتكون من ملايين الكُتل الصخرية المتراصة بشكل أذهل العقول؛ نظرًا لضخامة تلك الكتل التي تزن الواحدة منها ما بين (٢-١٠) أطنان. وعلى هذا تكاثرت النظريات والآراء التي اجتهدت في تفسير بناء الأهرامات وخاصة طريقة رفع الكتل الصخرية إلى ارتفاع زاد على الـ(١٤٠) مترًا كما في الهرم الأكبر (خوفو). ولعل أحدث تفسير لبناء الأهرامات ما أورده المؤرخ الروسي فلاديمير أولجيتش وفق نظريته التي تقوم -بحسب سمر النجار في (المصري اليوم ٢-١٢-٢٠١٨)- على الدفع بالكتل الصخرية على ألواح خشبية عبر أنفاق الماء.. إلخ. نظرية فلاديمير هذه واحدة من عدة نظريات جاء بعضها نتيجة المعاينة المباشرة والمسح الميداني، وبعضها نتيجة المقارنة والفرضيات والاحتمالات، وتشترك جميعها في جعل (قوة) الإنسان الفرعوني -مع بعض الوسائل البدائية- لاعبًا أساسيًّا في عملية تشييد الأهرامات، إلا أن إصرارهم على القوة الجسمية البشرية والوسائل البدائية يدحض نظرياتهم؛ كون الفراعنة لا تختلف أجسامهم عن أجسامنا ما يعني حتمية عجزهم عن بناء الأهرامات. ولقد كنتُ أميل إلى رأي ربما لا يميل إليه إلا القلة القليلة، لكنني لم أُجاهر به؛ كونه يُعد مغايرًا للمألوف، خصوصًا ومسافة الـ(٢٥) قرنًا التي تفصلنا عن بناء الأهرامات كفيلة بالوقوف بوجهه. ما جعلني أتجاسر على المجاهرة بهذا الرأي هو ما شاهدْته في أحد البرامج الوثائقية؛ حيث أورد رأيًا عن بناء الأهرامات يوافق الرأي الذي أميل إليه، وجاء بدلائل واستشهادات تشي بصحته. وتوطئةً لهذا الرأي دعونا نتخيل أن الحضارة التي نعيشها اليوم اندثرت وبادت ولم يبقَ منها شيء ماثل على الأرض إلا القليل، ثم لنتخيل أن أممًا جاءت بعدنا وعاشت ظروف التخلف نفسها التي كانت قبل مجيء النهضة الحديثة الحالية التي نعيشها اليوم، هنا سيترسخ في ذهنيات أفراد هذه الأمم القادمة (المتخيلة) أنها لم تُسبق بأي تقدم وحضارة تحت أي مسمى، ثم إنه قُدر لهذه الأمم (المتخيلة) أن تأخذ -بعد فترة- طريقها إلى التقدم والنهضة حتى استطاعت إنتاج التقنية وصنع الآلات والوسائل التي تمكنها من كشف أعماق الأرض وبطون الجبال وأسرار الفضاء، ثم قُدِّر لها بواسطة تقنيتها وآلاتها ووسائلها المتطورة أن تكتشف أن هناك جبالاً تخترقها أنفاق واسعة من أقصاها إلى أقصاها. هنا وبحكم التصور المُسبَق لدى أفراد الأمم (المتخيلة) عن الأمم الغابرة (أمم عصرنا الحاضر) فإن هذه الأنفاق ستغدو لغزًا محيرًا؛ إذ كيف تمكنت تلك الأمم الغابرة (أمم عصرنا الحاضر) من حفر هذه الأنفاق داخل الجبال بأيدي رجالها ومعاولهم مهما كانت قوتهم ومهما كان عددهم وعتادهم؟! هذا التعجب جاء بناءً -كما ذكرتُ- على التصور المسبق لدى الأمم المتخيلة عن الأمم الغابرة (أمم عصرنا الحاضر) بأنها أمم بدائية لا تملك من الوسائل ما تملكه هي، وفات هؤلاء المتعجبِين أن تلك الأمم الغابرة (أمم عصرنا الحاضر) كانت تملك التقنية والآلات المتطورة ما مكنها من حفر تلك الأنفاق، غير أن تلك التقنية والآلات وكثيرًا من شواهد تلك الحضارة لم يعد لها أثر، وهو ما أوقع تلك الأمم المتخيلة في حيرة وارتباك. الحال نفسها يمكن إسقاطها على فترة الفراعنة الذين حيَّروا أفهامنا وعقولنا اليوم بتلك الأهرامات العجيبة؛ فربما كان الفراعنة (المصريون القدماء) على تقدم وحضارة مكنتهم من إنتاج تقنيات فائقة وآلات متطورة جعلتهم يشيدون الأهرامات بهذه الكيفية الإعجازية، وجعلتهم يبدعون في هندستها من الداخل وليس من الخارج فقط، وجعلتهم يتمكنون من تحنيط الأجساد التي بقيت حتى اليوم وحيرت علماء عصر النهضة الحديثة، ولكن ونظرًا لتقادم حقبة الفراعنة وجهلنا بتفاصيلها فقد ظنناهم لم يهتدوا لطريق التقنية وصُنع الآلة التي رفعت تلك الكتل الصخرية الضخمة التي لا طاقة للإنسان الفرعوني بها، ومن ثَم اندثرت تلك التقنيات والآلات ولم يبقَ إلا الأهرامات، وهو ما أوقعنا في الحيرة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store