Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

الوهميون.. ودعوة للتطهُّر!

A A
• ‏من مصائب وكوارث قضية الشهادات الوهمية؛ أنها نحرت الثقة في مُسمَّى (الدكتوراة) من الوريد إلى الوريد، ولوَّثت القيمة الكبيرة التي كان ينظر بها المجتمع لحامل هذه الشهادة العلمية المهمة، حتى أصبح الدكتور في بلادنا مطالباً بأن يُقسم بأغلظ الأيمان أنه لا ينتسب لفصيلة (الكرتونيات) من قريبٍ أو بعيد، كما أن عليه أن يشفع قَسمه المُغلّظ هذا بما يُثبت أن الجامعة التي منحته الشهادة (التهمة) ليست معهداً للطبخ في إحدى دول أوروبا الشرقية، ولا شقة (غرفتين وصالة) في أحد أحياء لندن المنزوية، ولا حتى صاحب شنطة متجول في أحد شوارع مومباي!.

• إذا قال أحد إنه لم يعد من الصعوبة بمكان اكتشاف إن كان مُحدِّثك دكتوراً حقيقياً كثيف المعرفة رصين السلوك، أم أنه مجرَّد أفَّاق ومدّعٍ، وأن الأمر لم يعد يحتاج سوى دقائق معدودة لظهور الخواء الفكري الذي يحمله الكرتونيون.. فسأقول إن الصعوبة ليست في معرفة (المتدكتر الوهمي)، فهذا أمر يسير جداً، الصعوبة الحقيقية تكمن في إقناع هؤلاء بضرورة التخلي عن هذه (الوصمة) المشينة في تاريخه، والتطهُّر من جريمته التي شوَّهت قيمة هذه الدرجة العلمية، وقلَّلت كثيراً من (كاريزميتها) بين الناس.

• قبل أيام جمعتني الصدفة مع أحد الوهميين الكبار، وأقول الكبار لأن صاحبنا هذا -غفر الله لنا وله- من أوائل من أدخلوا هذا (الإثم) إلى بلادنا، فقد كان وكيلاً معتمداً لإحدى (دور الخبرة) الشهيرة في الزيف، والتي أصبح مجرد ذِكر اسمها في سيرة الشخص كفيلاً بالخجل وطأطأة الرأس، وبحكم أن صاحبنا كان أحد (المروِّجين) الكبار لهذه البضاعة الفاسدة، فقد تفاجأت كثيراً حين أخبرني الرجل بتوبته عن تلك الكراتين التي باع منها الكثير، وأنه كان مخدوعاً (مرَّرتُهَا له كي لا يرتد)، لذلك طلب مني ألا أناديه بلقب (دكتور)، لأنه -كما يقول- يُشعره بالذنب والخطيئة، ولا أعلم حقيقة إن كانت توبته خوفاً من إجراءات الدولة الأخيرة تجاه الفساد الإداري، أم أنها توبة حقيقية نابعة من استيقاظ متأخِّر للضمير!.

• على أية حال، تخلي الكثيرين عن هذه الشهادات وإعلان براءتهم منها دليل على تنامي وعي شعبي حقيقي ضد هذه الظاهرة، التي تعد من أخطر أنواع الفساد المُعطِّل للتنمية، والمُحبِط للمجتهدين، والذي يجب أن يُحارَب بشتى الطرق الممكنة، وإذا كان للأجهزة الحكومية دور مهم في تطهير البلد من هذا الفساد، فإن للمواطن نفسه دوراً أهم وأكبر في التطهُّر الشخصي، إذ قد تغيب الأدلة إلا من استيقاظ وعي وضمير المفسد ذاته.

• أعرف أن الموضوع ليس سهلاً، فلا أحد يريد تكذيب نفسه.. لكن عليك أن تعلم أن الناس يعرفون حقيقة شهادتك أكثر مما تظن.. وأن الأمر يتعلق بأمانتك ونزاهتك وصورتك الحقيقية في أذهانهم.. ليس المطلوب منك أن تُعلن تخلِّيك عن هذه الشهادة المضللة على رؤوس الأشهاد، يكفي أن تعلن تطهُّرك منها بينك وبين نفسك، وأن توقف التعامل بها في كل شيء.. هذا يكفي.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store