Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

علاقة حُب لتمرٍ وحَب

A A
بين الحَبِّ (بفتح الحاء)، والحُبِّ بضمِّها؛ الكثير من متطلَّبات الحياة على كوكبنا الأرضي. فالحَب، هو المكوِّن الرئيس للطعام، وأصنافه متعدِّدة، منها القمح المستخدم في الخبز، وكذا الشعير والعدس والحمص، والفاصوليا والأرز، وخلافها مما تنتجه الأرض لتلبية احتياجات المخلوقات. فالحبوب هي أوَّل ما تغذَّى به الإنسان منذ وجود الخليقة على الأرض. وما تزال تقنية الزراعة في سباق مع الزمن لإطعام الأفواه الجائعة التي تزداد عددًا مع الانفجار السكَّاني الذي قضى على الكثير من المساحات الخضراء الصالحة للزراعة لإقامة وحدات سكنيَّة إسمنتيَّة، مع ما بينها وبين البيئة من تناقضٍ واختلاف.

أمَّا الحُبُّ بضم الحاء، فمنه شُكْر المولى عزَّ وجلَّ على فضله وكرمه بما وهبنا وهيَّأ لنا من الطيِّبات من الرزق، كما في قوله تعالى في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)، وفي حال نكران الجميل بحمد الله وشكره، يتقدَّم حرف الباء على حرف الحاء، لتصبح الكلمة «بح». وهي في لغة الأطفال تعني خسارة كلِّ شيء.

ومن التعبير عن الحُبِّ والشكر ما تمارسه بعض الشعوب -ومنها اليابان- من تكريم الأرز؛ المنتج الأساس في غذائهم. فتقيم رابطة اتحاد المزارعين مواسم للاحتفال بغرس شتلات الأرز، ومن ثمَّ حصادها. ويُدعى لحضورها سنويًّا رؤساء السلك الدبلوماسي الأجنبي المعتمدين والمقيمين في طوكيو في مجموعات يتقدَّمها عضو من العائلة الإمبراطوريَّة، يُرافقهم في تنقُّلهم من محطَّة قطارات طوكيو الرئيسة إلى القرية التي يتمُّ اختيارها للاحتفال. وهناك يُستقبلون من أهالي القرية بالأهازيج والرقصات الشعبيَّة، ويشتركون معًا في دار البلديَّة بتناول وجبة غداء، ومن ثمَّ تستضيف كلُّ عائلة من الأهالي ضيفًا من القادمين مع أفراد أسرته، لتكون أمسية تعارف وتبادل معلومات ثقافيَّة وتاريخيَّة وفنيَّة، وتحضير وجبة عشاء تقليديَّة، وتبادل هدايا تذكاريَّة. وفي صباح اليوم التالي، وبعد تناول وجبة الفطور، يتوجَّه الجميع إلى الحقل لمسابقات المشاركين، وقد أعدّت لهم ملابس المزارعين للخوض في مياه الحقول لغرس شتلات الأرز. يتبع ذلك وجبة غداء تقليديَّة، فعودةً إلى طوكيو. وتتكرَّر الزيارة لذات الموقع وقت الحصاد، ومن بعد، يغرس كلُّ ضيف شتلة تحمل اسم بلده تخليدًا لتلك المناسبة.

ترى كم يكون جميلًا وممتعًا لو دعونا رؤساء السلك الدبلوماسي الأجنبي وأفراد أسرهم لمهرجانات مماثلة عند جني التمور التي تتقدَّم فيها بلدنا على دولٍ كثيرة من حيث الكمِّيَّة والنوعيَّة! ففي ذلك تعريف بالمنتج الغذائي الأوَّل في بلدنا الذي ورد عنه ما روي عن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام قوله: بيت ليس فيه تمر جياع أَهله.

وكم يكون مفيدًا لو غرسنا في فناء كلِّ بيت من بيوتنا وفي الحدائق والساحات فسائل نخل مثمر، توفّر لكلِّ أسرة بعض متطلَّباتها من التمر من باب الأمن الغذائي!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store