Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
حليمة مظفر

هندسة الوعي..«ممالك النار» وجرائم «الخلافة العثمانية»!

A A
كان مسلسل «ممالك النار» الذي أنتجه الكاتب الإماراتي ياسر حارب بإنتاج ضخم قارب 40 مليون دولار بحسب ما عرفت، وأجاد أداءه بل أبدع كلٌ من الممثل المصري خالد النبوي والممثل السوري محمود نصر، فكانت 14 حلقة أعتبرها كبسولة فنية معرفية هي غاية في الأهمية الفكرية لتصحيح جزء مهم جداً لأخطاء لم يكن الكثيرون يسعون إلى تصحيحها عبر قراءة كتب التاريخ، لكن كان ممكناً عبر الإنتاج الدرامي لتطهير الوعي مما علق في أذهان العرب عن تاريخ الدولة العثمانية التي تعتبر أهم أسباب تأخر العرب وتخلفهم عن ركب الحضارة الإنسانية المعاصرة لسنوات طويلة بعد سقوطها؛ نتيجة جرائمها في نشر الجهل والخرافة والفقر؛ وقد حسبها كثيرون من جيل اليوم وآبائهم ـ ليس أجدادنا الذين ذاقوا مرارة استعمارها ـ خلافة إسلامية فيما هي استعمارية عنصرية مارست أبشع أنواع التمييز ضد العرب.

فالدولة «العصملية»لم يكن يهمها نشر الإسلام كما درَّستنا مناهجنا المُختطفة سابقاً من قبل الإخوان؛ إنما سرقة خيرات ديار العرب واختطاف المهندسين والحرفيين والعلماء وترحيلهم غصباً إلى الأستانة لبناء تركيا، والكثير من المعالم السياحية التي يستمتع اليوم العرب بزيارتها وينبهرون بها في تركيا بنتها أيدي أجدادهم العرب؛ وهذا التصحيح التاريخي كان مهماً لمعرفة حقيقة الدولة العثمانية الاستعمارية، بإنتاج «ممالك النار» بمال عربي وهمّة عربية كشفاً للتزييف التركي التاريخي الذي تقدمه الدراما التركية وهو كشف يتم لأول مرة لدى المشاهد العربي؛ حتى أن مستشار أردوغان»أقطاي» لم يستطع إخفاء غضبه من المسلسل ومهاجمته.

وهنا أعيد وأكرر أهمية الإنتاج الدرامي بهندسة المحتوى بما يتفق مع سياستنا العربية وقيمنا الوطنية وأهدافنا الإستراتيجية المحلية والخارجية، وأتمنى أن نرى أكثر من «ممالك النار» وإن كنتُ ألاحظ عبر ما أتابعه حالياً أن هناك صحوة درامية عربية تتجه في طريقها الصحيح إذا ما اهتمت أكثر بهندسة المحتوى الدرامي؛ إلا أن الدراما الخليجية حتى الآن ما تزال في غفوة وتغييب أرجو الله أن تستيقظ منها؛ خاصة أنها لا تتناسب أبداً مع تطلعات الدول الخليجية وسياستها ورؤيتها التطويرية الحالية، رغم ما يتم صرفه عليها من إنتاج ضخم إلا أنها محلك سر باستثناء الفيلم السينمائي «ولد ملكا» وهو عمل سينمائي يُعتبر أنموذجاً للعمل المبدع الناضج فنياً، وأيضاً مسلسل «العاصوف» الذي خرج عن خط المسلسلات السعودية العشوائي، وإن كان يحتاج لمزيد من المعالجة الفنية نتيجة وقوعه في المباشرة الدرامية، لكنه نجح بدون شك في تحقيق «هندسة الوعي» الإيجابي.

وكباحثة مهتمة بالدراما بغض النظر عن الوسيط الناقل لها، إن كان مسرحاً أو سينما أو أي تقنية إعلامية بصرية أو سمعية؛ فإنها تُعتبر اليوم من أهم المؤثرات غير المباشرة في عملية صياغة العواطف وهندسة الوعي؛ إنها مؤثرة من خلال ما تقدمه من متعة وتسلية وترفيه، بل هي أهم القوة الناعمة لإمكاناتها دون خسارة قيمة رصاصة واحدة؛ إذ عبر المتعة وعملية «الإيهام» تُعيد تكوين شخصية المشاهد وتدفعه وجدانياً إلى تبني قناعات ومبادئ وثقافة ليست من اهتماماته ولم يسعَ يوماً أن يعرفها أو يقرأ كتباً فيها أو يكتسبها، إنها بمثابة سلاح ذي حدين مثلها مثل السكين تماما؛ تستطيع أن تقطع بها تفاحة لتستمتع بتناولها وقيمتها الصحية أو أن تحولها لأداة جريمة بشعة، فالمسألة كلها تتوقف على الهدف الذي يحدد هندسة المحتوى الدرامي سلباً أو إيجاباً.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store