Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

تسجيل الشهادة في محضر السعادة!

الحبر الأصفر

A A
إذَا كَان إرضَاء النَّاس مِن الغَايَات التي لَا تُدرَك، فإنَّ إسعَادهم مِن الفَضَائِل التي تَبدو أَكثَر استحَالَة، لَكن يَكفي هَذا المَقَال شَرف المُحَاولَة:

قَال «بنيامين فرانكلين» ذَات مَرَّة: (كُن فَاضلاً تَكُن سَعيداً).. هَذا القَول لَم يُقبل مِن البَعض، بَل صَرخُوا مُحتجِّين فِي وَجهي، ولَعلَّ أَبرَز المُحتجِّين الفَيلسُوف «بلنسجتون»، حَيثُ يَقول: (يَقولون كُن فَاضِلاً تَكُن سَعيداً. هَذا هَرَاء. كُن سَعيداً أوَّلاً، وبَعد ذَلك تَكون فَاضِلاً)..!

إنَّ احتيَاجَات الإنسَان فِي الدُّنيا كَثيرَة، ولَعلَّ أَهمّها البَحث عَن السَّعَادَة، ولَكن الإنسَان طَمَّاع بطَبعه، لأنَّه يَحتَاج السَّعَادَة وغَير السَّعَادَة، مُحاولاً أَنْ يَركب حِمَاريْن فِي وَقتٍ وَاحِد، وفِي هَذه الحَالَة يَخسر الحِمَاريْن، وقَد أَشَار إلَى ذَلك مَثلٌ صِيني يَقول: (مَا يَحتَاج إليهِ الإنسَان هو السَّعَادَة، وإذَا طَمع فِي أَكثَر مِنهَا؛ ضَاع فِي مَتَاهة البَحث عَن شَيء لَا وجُود لَه)..!

أَكثَر مِن ذَلك، يُتَّهم أَكثَر الرَّاسبين فِي مَادة السَّعَادَة؛ بأنَّهم نَاقصو الجديَّة فِي البَحث عَنهَا، وقَليلو الرَّغبَة فِيهَا، لِذَلك سيَحصل الإنسَان عَلَى السَّعَادَة، بقَدْر حِرصه عَليهَا، وهَذا مَا يُؤكِّده المَثَلُ الهِندي القَائِل: (نَصيب الإنسَان مِن السَّعَادَة؛ يَتوقَّف فِي الغَالَب عَلَى رَغبته الصَّادِقَة فِيهَا)..!

مِن جِهته يَقول الفَيلسوف «سويفت»: (يَا لَسَعَادة مَن لَا يَنتَظر شَيئاً، إنَّه لَن يُصَاب بصَدمةٍ أَو خَيبَة)، وبَعد هَذا القَول، انقلُوا عَن ذِمَّتي بأنَّ أَسعَد النَّاس؛ مَن لَا يَنتَظر شَيئاً مِن الدُّنيَا، فيَعيش مَنزوع الانتظَار، خَالياً مِن دَسَم الأَمَاني السَّعيدَة..!

هُناك مَن قَال: إنَّ مَصدَر السَّعَادَة هو المَال، وقَال: المَعِدَة، وقَال: القَلْب، وفِي ذَلِك خِلَاف بَين الفَلَاسِفَة، ولَكن المَثَل الهِندي يَحسم المُبَارَاة لصَالح القَلب، حَيثُ يَقول: (مَن يُخضع قَلبه ويُسيطر عَليهِ فهو سَعيد)..!

وهُنَاك مَثَلٌ بُرتَغَالي يَقول: (بَعض النَّاس يَنشُر السَّعَادَة أَينَمَا ذَهَب، وبَعضهم لَا تَحضر السَّعَادَة إلَّا إذَا ذَهب)، فإذَا كَانَت المَلافِظ سَعَادَة، والكَلِمَات تَبعَث السّرُور والبَهجَة، فالأَشخَاص كَذلك، أَعنِي بَعضهم يُحضِر السَّعَادَة مَعه، وبَعضهم إذَا حَضَر هَربَت السَّعَادَة؛ مِثلَمَا يَهرب الفَأر مِن الأَطفَال..!

حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!

بَقَي القَول: يُعجبني فِي أَحَد أَصدقَائي؛ أَنَّه سَعيد مَع نَفسه، وسَعيد إذَا جَلَس بمُفرَده، وهَذا يُعتَبَر أَعلَى مَرَاتِب التَّصَالُح مَع النَّفس، إنَّه تَجسيد حَي لنَصيحة الفَيلسوفَة «ماري هوب»، حَيثُ تَقول: (تَعلَّم أَنْ تَكون سَعيداً بمُفردك، وإذَا لَم تَنعَم بصُحبة نَفسك، فلِمَاذَا تَبتَلي بِهَا الآخَرين)..؟!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store