Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد حسن فتيحي

المتصدق الخفي..

شمس وظل

A A
لا يعمل عملاً إلا وينظر في عيون الآخرين..

يجلب استحسانهم ورضاهم عليه..

استمر حالُه.. فلا يقول إلا ويستجدي الاستحسان والثناء..

لازمته هذه الصفة حتى أصبح أسيراً لها..

ليله ونهاره فعل خير طلب فيه فقط الثناء..

كبر في عمره.. وقلَّ دخلُه.. ووهنت عظامُه.. واشتعل الرأسُ شيباً..

ولا يفعل إلَّا وينتظر الثناءَ والمديح..

كان أبوه يثني عليه.. فقد كان عطوفاً معه..

وتدعو له أمه.. فقد كان حنوناً.. وكان يسعد بهذا الثناء..

إلى أن اكتشف الأب أن ابنه أصبح مدمناً على الاستحسان من الناس.. فامتنع عن الثناء عليه..

وظل الابن يغدق.. والأب صامتٌ.. إلى أن فاض بالابن..

قال لأبيه.. ليست هناك كلمة واحدة تثني بها علي؟..

رد عليه أبوه قائلاً.. أنا أدعو لك بالغيب..

قال الابن.. أريد أن أسمع منك ثناءً.. واستحساناً..

احتفظ الأب بهذا الموقف.. وتحقق له ما كان يظنه..

وأسرَّ لأمه وإخوته وصحبه وعائلته بألا يثنوا عليه..

انقطع عنهم جميعاً.. وأصابه انطواءٌ من مجتمعه.. حتى أتى له أبوه قائلاً: يا بني.. إنك أُصبت بالإدمان..

فالاستحسان عندك أصبح الوجبة التي لا تستغني عنها..

ولقد بذلتَ كل ما عندك لتنال استحسان غيرك..

يا بني.. اطلب الاستحسان ممن أحسن إليك.. واعمل على رضاه.. فإن الله يرضى عن عبده أن يكون عمله خالصاً له..

إذا أخذتَ أجركَ في الدنيا.. فليس لك في آخرتِك شيء منه..

يا بني.. تصدَّقْ وصِلْ أهلك ومَنْ حولك ولا تنظرْ في عيونهم.. أو تسمع منهم..

وإنما انظر إلى الله الذي أعطاك..

إذا نظرتَ في عيون من تعطي.. وسمعتَ منه.. فقد أخذتَ أجرك..

وإني يا بني أريدك أن تُبقي أجرَك إلى «يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا»..

أطاع النصيحة وعمل الخير كلَّه.. دون أن يراه أحدٌ من المنتفعين بهذا الخير..

وتوفاه الله.. وأُطلق عليه.. المُتصدِّق الخفي..

وأثنوا عليه.. دون أن يسمعهم..

وأرجو أن يسمع من الله ما يرضيه..

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store