Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
واسيني الأعرج

الرواية العربية وسقف الانتظار؟

A A
هل استجابت الرواية العربية للمعطيات الثقافية والحضارية ولتحولاتها العميقة ولانكساراتها أيضًا؟ سؤال قد يبدو ثقيلا طرحه والأحداث العربية في عز غليانها.. لكن لا شيء يمنع من المقاربة المبدئية الأولية لأن الظاهرة الروائية العربية أصبحت مرئية بشكل واضح إلا لمن لا يقرأ، ويكتفي بالأحكام السهلة والجاهزة كأن يقول مثلا إن الرواية العربية صامتة، والروائيين العرب لا يقولون شيئًا عن بلدانهم مثلهم مثل بقية النخب الثقافية؟ طبعًا الحكم ظالم وغير دقيق.. لأن من يتابع الحركة الأدبية العربية سيكتشف بسهولة أن المستجدات فرضت نفسها بقوة على النص الروائي.. في الأغلب الأعم الناس لا يقرؤون ويحكمون بجهل، وأحيانًا بحقد سماعي.. أي تصلهم الرنات من هنا وهناك، وتنشأ داخل هذا المدار الأحكام الجاهزة التي لا تتأسس على معرفة أو متابعة حقيقية.. الفيسبوك سهل الأشياء الجميلة كما سهل شيوع هذه الأحكام السطحية والشتائم ضد هذا الكاتب أو ذاك، أو هذا المفكر أو ذاك، فأصبح الاختلاف مرضًا يجب اجتثاثه، وعلى الجميع أن يسيروا وفق رؤى مسبقة وجاهزة، أي أن العقل الناقد غير مقبول مطلقًا.. فيرمون بالأحكام دون تمحيص مثل: ان المثقفين، وقصدهم الكتاب طبعًا، لم يلعبوا الدور المنوط بهم، حيث كان عليهم أن يتحركوا بقوة.. ان الكتاب متواطئون مع النظام لهذا لم نسمع لهم صوتًا.. وإلى ذلك من الأحكام غير المؤسسة.

من المؤكد أن هناك من المثقفين من لا تشكل لهم كلمة ثقافة إلا بطاقة عبور نحو سدة الحكم أو المناصب وما شابه ذلك، لكنهم ليسوا القاعدة.. هناك نخب أحرقت كليًا، هي والأجيال التي تنتمي إليها، بالسجون والمطاردات والمتابعات.. لو عاد أصحاب هذه الأحكام، إلى النصوص التي كتبت في النصف الأخير من القرن الماضي، أو تلك التي كتبت في العقد الأخير، لاكتشفوا أن الأمر على غير ما يظنون.. لقد كانت الرواية العربية من خلال علاماتها الكبيرة نجيب محفوظ، الطاهر وطار، حنا مينة، عبدالرحمن منيف، غائب طعمة فرمان، إبراهيم نصر الله، نبيل سليمان، هاني الراهب، يحيى يخلف، إلياس خوري، إسماعيل فهد إسماعيل، هدية حسين، خالد خليفة، أحمد السعدني، سمر يزبك، سعود السنعوسي، يوسف فاضل، محمد علوان، رجاء الصانع، شكري المبخوت، علي مقري، آمنة وسلاتي، وغيرهم، سباقة إلى نقد سلبيات مجتمعاتها والبحث دومًا عن الأفضل والأمثل.. لم تتردد في وضع كل ما حدث من تحولات في صلب المجتمعات العربية تحت سكينة النقد الحاد الذي كثيرًا ما أوصلها إلى المنافي والسجون، وأحيانًا إلى الاغتيالات المعلنة أو السرية.

مهما كانت وجهة نظرنا في هذه الأجيال المنتجة لنصوص إشكالية، فقد كانت رؤاها نقدية صارمة، وفي الكثير من الأحيان استشرافية.. فقد ألغت قدسية المجتمع والتاريخ وذهبت نحو الغوص في تفاصيله المهمشة.. فبينت اقتتال الإخوة، في الثورات الوطنية التي ظلت مكسوة بغلاف غامق لا يظهر فيها إلا الآخر العدو.. طرحت إشكالية الأمراض المستجدة في المجتمعات العربية المعاصرة.. استحضرت التاريخ الوطني المغيب، الذي تم محوه؟ وعرت تاريخ المنتصر في حروب الحكم العربية، وأظهرت كيف استولى ورثاء الدم، على الحكم وعلى التاريخ الثوري النبيل، وهم أنفسهم الذين كونوا الإمبراطوريات المالية لاحقًا، على ظهر الشعب والشهداء، وقادوا بلدانهم نحو الانهيار الكلي والتمزقات في ظل عولمة يقع العربي في آخر أولوياتها وسلمها.

من يقرأ هذه الروايات سيدرك كم أن المصادرات كانت كبيرة، وكم أن الإرادة الأدبية كانت أكبر وأعظم.. هناك ميراث روائي عربي عظيم يحتاج اليوم إلى أن يعود له النقاد ويقرؤونه قراءة متفحصة موضوعية.. هذا الميراث لم يهادن السلطة العربية في مآلاتها الدكتاتورية، أبدًا، وعانى في صمت الويلات الكبيرة.. من الظلم القول إن الرواية العربية وقفت موقف المتفرج من التحولات المجتمعية القاسية.. يكفي أنها رفضت بلا هوادة، أن يلوث مخيالها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store