Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
حليمة مظفر

مثل «ذاكرة الذبابة»!

A A
هل تعرفون أن «الذبابة « تتمتع بذاكرة ضعيفة جداً لا تتجاوز ثلاث ثوانٍ فقط، وتنسى بعدها كل شيء!، لذلك حين تُحلق الذبابة حولك لتحط على أنفك وتهشها بعيداً؛ تعود إليك بعد ثلاث ثوانٍ ناسية أنها تعرَّضت للخطر من يدك بضربة تودي بحياتها!. و»العنصري» كذلك، إذ يلقي بتعليقاته و أسئلته «الجارحة» التي تفوح بالعنصرية أمام «فلان» عن منطقة ما أو هوية بغرض الاستنقاص!، أو تجده يرمي نكتة «سمجة» عن عادات فئة اجتماعية أو لهجتهم، وقد تراه يكركر ضحكاً على مقطع عنصري، ثم ينسى سريعاً أنه مارس» العنصرية» وكأنه لم يفعل شيئاً، تماماً مثل ذاكرة «الذبابة»!.

لقد كتبتُ كثيراً في هذا الموضوع؛ فبعض الأمراض الوراثية تحتاج إلى مكافحة مستمرة للحد من انتشارها وتحجيمها إلى الدرجة التي لا يُجعل لها وجود؛ مثلها تماماً بعض الأمراض الاجتماعية ومنها العنصرية التي قد تخرج في عدة أقنعة كطائفية أو مناطقية وعرقية؛ وهي من الخطورة التي تؤدي إلى الأحقاد والضغائن وأحياناً تتطور لأبعد من ذلك!، فتحتاج إلى مكافحة قانونية وتوعية مستمرة للحد من وجودها.

ثم لكي تثبت أنك لست عنصرياً، لا يعني أن تتشدق أو تكتب معلناً في مواقع التواصل أو الصحف أنك ضد العنصرية أو أن يعلو صوتك في هاشتاقات تويتر لفضح مغرد عنصري؛ بينما في خلوتك تضحك بملء قلبك أو مع أفراد عائلتك حين يصلك على هاتفك مقطعٌ ساخرٌ عن لهجة أو معتقد مختلف مع مذهبك، وأنت تعلم أن من أعدّ هذا المقطع الضاحك أعده بنَفَسٍ يطفح بالعنصرية!

ولنكن أكثر شفافية، كم مرة سألت الآخرين في أول لقاء تتعرف فيه بهم «وش ترجع!؟» كي تبني حكماً عليه من إجابته!، وهلّ مرّ عليك مقطعٌ مصورٌ عبر الواتساب أو تويتر يسخر من هويّة أو عادة لمناطق أخرى، ووجدت نفسك غارقاً في الضحك!؟، ثم شاركتَ استمتاعك هذا مع أصدقائك وقمتَ بنشره في الواتساب!؟، وهل تشعر بالارتياب و»الوسوسة» من زميل عمل رغم تعامله المحترم والودود معك لمجرد أنه ينتمي إلى طائفة غير طائفتك أو شعرت أنك أفضل من «فلان» بسبب نسبك أو لأنك تجد نفسك «سعودي أصلي» وهو «غير أصلي» كما يزعمون!!؟، وغير ذلك من مواقف قد تكون عفوية ساذجة، لكن في جوهرها ممارسات تُخفي عنصرياً كامناً ينتظر اشتعال عود الكبريت كي يُخرج أسوأ ما في داخله؛ وكما يُقال «معظم النار من مستصغر الشرر».

لا شك أن جزءاً من المشكلة هو تمتع العنصريين بذاكرة «ذبابية» لا تعترف بوجود الخلل لديهم!، لكن تبقى القوانين وحدها من تردع العنصريين، وتفرض الأخلاق والاحترام بين الناس، وشيئاً فشيئاً ستجعلهم يستهجنون ويرفضون تناقل «شخص» مقاطع ساخرة تفوح بالعنصرية.

أخيراً، هل أنت قادر على أن تقيس مواقفك، وتسأل ذاتك: أعنصري أنا؟! فالاعتراف نصف الدواء.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store