Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

تعليق العمرة.. سلامة البشرية وانتفاء نظرية المؤامرة!

إضاءة

A A
فيما كانت مواطنة عربية تصرخ مناشدة القادة وقف الرحلات، وإيقاف المهرجانات، ومنع سفريات المستثمرين للصين والدول الموبوءة، كان قرار سعودي تاريخي يصدر بتعليق الدخول لأغراض العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف مؤقتًا، وكذلك تعليق الدخول بالتأشيرات السياحية للقادمين من الدول التي يشكل انتشار الفيروس منها خطرًا، بل وتعليق استخدام السعوديين ومواطني دول الخليج بطاقة الهوية الوطنية للتنقل من وإلى المملكة،حدث ذلك رغم أن المملكة لم تسجل حتى الآن حالة إصابة واحدة.

ولأن صاحب القرار وضع صحة بل حياة المعتمرين والزوار نصب عينيه، باعتبارهم أمانة عنده، فقد صدر القرار الصعب، متجاوزًا أي عوامل تجارية اقتصادية استثمارية، ومتجاهلاً أيه أصوات منتقدة ومعتادة في مثل هذه القرارات، ومرطبًا لنفوس الملايين حول العالم، خاصة أولئك الذين يتمنون لدولة الحرمين الشريفين كل خير وسلام وأمان.

إن من يعرف الأثر الاقتصادي على قطاع العمرة، جراء هذا القرار، لا يملك إلا أن يصفق للقرار وصاحب القرار، فحياة وسلامة ملايين البشر حول العالم، أهم بكثير من ملايين بل مليارات الدولارات، كما أن صفقة مع الضمير الانساني اليقظ، أهم بكثير من أية صفقات أو اتفاقيات أو حملات.

إن الانسان في الإسلام لم يخلق عبثًا، ومن ثم مطلوب منه ألا يعيش عبثًا، وأن يدرك غاية وجوده وتفاعله وإحساسه بالآخرين.. هكذا جاء القرار السعودي تلبية لحاجة الفطرة الإنسانية السليمة من جهة، وحفاظًا على أرواح المسلمين وغير المسلمين من كل الجهات، ذلك أن دورة العدوى، حال حدوثها -لا قدر الله- لن تقتصر على فئة دون فئة، في مطارات ومدارس ومنازل وقرى ومدن العالم.

أكثر من ذلك، فإن القرار ينسجم مع الواقع العالمي، حتى تستقيم الحياة ويسلم الإنسان، ولا شك أن القيمة الحقيقية للإنسان لا تقوم على ظرف استثنائي أو مصلحة خاصة، أو مكسب مادي، كحالة مفصولة عن البشرية.

وبالإضافة لذلك، فإن الإنسان السوي لابد أن يشعر بالقلق على البشرية كلها.. إنه القلق البنَّاء الذي يقتضي الابتعاد عن المصالح الشخصية إلى الإحساس بمعاناة الوجود الإنساني كله، ذلك الوجود الذي يرتفع بالإنسان من الدائرة الكونية الضيقة إلى الرؤية الكلية للآخرين.

ولأن معايشة القلق تقتضي الشجاعة، كان لابد من إصدار القرار هكذا على هذا النحو الجريء.. وفي ذلك يقول الفلاسفة: إن كل من يمارس الشجاعة والإحساس بالقلق على العالم، ستكون له في النهاية اليد العليا، لأنه إنسان عظيم.. والإنسان لا يكون عظيمًا إلا إذا وقف صلبًا وصارمًا لمواجهة أي خطر والتصدي لأية عاصفة.

لقد فشلت جميع الحروب حتى الآن بما فيها الحرب على الإرهاب، في توحيد العالم بدوله المختلفة وقواه المتعددة، ومع تضارب المصالح والإستراتيجيات تستمر الحروب في هلاك الضحايا، وتكتفي الأمم المتحدة بالرصد، ويكتفي مجلس الأمن بالمناشدة، الآن وفي اختبار جديد، تجد هذه الدول نفسها في مواجهة عدو واحد اسمه كورونا، فما الذي ستفعله؟!

لقد كان من اللافت أن تكون البداية في الصين، فلما كثر الحديث عن الحرب البيولوجية، ظهر في الولايات المتحدة.. شيئًا فشيئًا ظهر في أوروبا وفي أفريقيا، بحيث تنتفي تقريبًا نظرية المؤامرة، ويصبح الجميع في أتون المعركة، فمن ينتصر؟!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store