Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

متى يكون الوزير شجاعًا؟

A A
الوزير -أي وزير- ما جلس على كرسي المسؤولية لتكون مهمتُه تكميمَ الأفواه، والاستعداءَ على مَن يُبدي شيئًا من الملاحظات والنقد؛ وإنما جلس ليَفيَ بما عَهِد به إليه ولي الأمر من مهام، وليكون حلقة وصل أمينة صادقة بين ولي الأمر والمواطنِين، وليضعَ يده على مكامن الخلل فيبادر بإصلاحها، ومواطنِ القصور فيعمل على تلافيها، ويفتحَ أُذُنيه وعينيه باتساعهما للمطالب والملاحظات والنقد، ويرد عليها بالحجة والمنطق. ومتى ما سلك الوزير مسلك المتأفف من الملاحظات، ونحا منحى المتوعد لكل من ينقد وزارته، واشتغل بالنفي والمصادرة والاستعداء، فهنا يُعلم أنه فاقد لسمات القائد الناجح، غير مؤهل لتحمل المسؤولية المنوطة به، موصِد لأبواب الحوار، يرى في نفسه الكمال المطلق. ولو أنه اشتغل بترتيب الأمور الداخلية لوزارته، ورحب بما يوجَّه لها من ملاحظات أو نقد، وردَّ على الحجة بالحجة، وقارع الفكرة بالفكرة، وأحسن الظن في كل ما يوجه لها لأقنع الجميعَ بأنه يقف على أرضية صلبة، وأنه حينما قبِل بالنقد، وأحسن الظن في الناقد فمردُّ ذلك لسلامة قراراته وإجراءاته التي جاءت وفق تخطيط ودراسة وليست من أجل تسجيل سبق أو ريادة على حساب الآخرِين.

بالأمس، وعلى إثر القرارات الملكية الكريمة شُغِلت وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي بتصريح مثير حاز على اهتمام شريحة كبيرة، وحظي بقبولها وإقبالها عليه، وشرعت في تفكيك مضامينه، وذلك حينما صارح وزير الإعلام المكلف معالي الدكتور ماجد القصبي قياداتِ وزارة الإعلام ورؤساء الهيئات التابعة لها بأن «الأداء غير مُرضٍ تمامًا، وأنه لا يواكب تطلعات المواطن ونهضة الوطن ومكتسباته». هذه المصارحة من معاليه جعلتنا نسترجع أسماء وزراء كانوا نماذج خالدة في الأمانة والجدية والمصارحة ونقد أنفسها قبل غيرها كالمرحومَين غازي القصيبي ومحمد الرشيد. مصارحة معاليه جعلت المواطنِين يطمئنون على أن الدنيا بخير، وأن في الوزراء من يعترف بالقصور في وزارته، ويعمل على المحاسبة الداخلية، ولا يشتغل بالمنافحة عن وزارته ونَصْبِ الفخاخ في طريق من يُبدي عليها ملاحظة أو يوجه لها نقدًا.

ثقة الوزير ماجد القصبي في قدراته، واستشعاره لأمانة المسؤولية، ومعرفته بما تمثله هذه الوزارة (الإعلام) لوطن عظيم كالمملكة العربية السعودية جعلته يبدأ بالعلاج من الداخل فيصارح قيادات الوزارة ورؤساء الهيئات بأن القصور من داخل الوزارة لا خارجها، وهو الذي كان يإمكانه ركوب موجة النفي والمصادرة، وتزكية نفسه ووزارته، والتلويح بالعقوبات والمساءلات لمن يشير لقصور في وزارته حتى عبر الوسائل المشروعة، لكنها الثقة بالنفس وبالقدرات الذاتية، وهو ما جعله يطلق هذه المصارحة ويبدأ عملية الإصلاح من الداخل. يأتي الوزير القصبي ليؤكد النهج الذي اختطه قادة هذا الوطن الذين عُرفوا بالشجاعة؛ حينما طالبوا المواطن بإبداء آرائه وملحوظاته ونقده عبر الوسائل المشروعة دون تردد، وطالبوا بأن يبدأ الإصلاح من الداخل، حتى قال الملك سلمان حفظه الله «رحم الله مَن أهدى إليَّ عيوبي»، لكن الوزير القصبي لم ينتظر من يهدي إليه عيوب وزارة الإعلام بل بادر فأقر بوجودها منذ أول يوم له في الوزارة؛ ليثبت لنا صوابية نظرة القيادة، وهو مؤشر على أن معاليه سيعمل على تحقيق التطلعات وتنفيذ الملاحظات والتجاوب مع النقد الموجَّه لوزارة الإعلام، ومن ذلك (العمل على مواكبة إعلامنا للتحولات الحاصلة التي تشهدها المملكة، ونقلِ صورة واضحة وصادقة لنهضة الوطن ومكتسباته المتتالية، واستقطابِ الكفاءات الوطنية، وتهذيبِ الفوضى الحاصلة في بعض البرامج الرياضية، والمبادرة بافتتاح قناة ثقافية تنقل صورة صادقة عن الحراك الثقافي المتعاظم في وطننا).

وعطفًا على تساؤل العنوان أقول: يكون الوزير شجاعًا إذا اعترف بأن عملية إصلاح وزارته تبدأ من داخلها، وأنه إنما جاء -بوصفه موظفًا- ليعمل على تحقيق تطلعات القيادة وخدمة المواطن والقبول بنقده، وأن القصور في وزارته أمر حاصل، وأن دليل ثقته في أدائه وأداء وزارته يتمثل في قبوله الملاحظات والنقد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store