Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

رضا عبيد.. ريادة علمية ووفاء إنساني

رؤية الفكرية

A A
يخلط بعض الباحثين بين شخصيات ثلاث تنتمي لبلد الجوار؛ المدينة المنوّرة، وهم: السيد عبيد مدني، مؤرخ المدينة المنوّرة وشاعرها المعروف، والأستاذ أحمد عبيد، الكاتب والصحافي المعروف، والدكتور رضا محمّد سعيد عبيد، والذي يعدّ من أوائل الأكاديميين السعوديين الذين أخذوا علومهم من الجامعات الغربية المتخصّصة.

وهذا الأخير -أعني الدكتور رضا- هو من نريد الوقوف عند شيء من سيرته العلمية، وخصوصًا أن أستاذنا، أمدّ الله في عمره، يعاني بعض المصاعب الصحيّة، فنسأل الله له الشفاء العاجل.

إن الدكتور رضا يمثّل نموذجًا علميًّا تاقت لمثله العقول والنّفوس، في مطلع الستينيات الميلادية، فلقد أخذ عنه العلم عدد من الشخصيات الفاعلة في خدمة الوطن، مثل معالي الدكتور محمّد عبده يماني، عليه فيض من رحمات الله الواسعة، ويبدو أن هذا التلقّي كان متصلاً بعمل الدكتور رضا كمعيد في جامعة الملك سعود خلال الفترة ما بين 1958- 1959م، واشتغل أستاذنا بنشر العلم في الأوساط العلمية في جامعة الملك سعود؛ حيث عُيّن أستاذًا للكيمياء الفيزيائية، وكيلاً لعميد كلّية العلوم بجامعة الملك سعود، ثمّ عميدًا لكلية العلوم خلال الفترة ما بين 1963م - 1971م، وكان أول سعودي يتولى منصب عمادة كلّية العلوم آنذاك، ثمّ عمل رئيسًا للمركز الوطني للعلوم والتقنية والتكنولوجيا، في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، في الفترة الممتدة ما بين 1977 - 1984م، ثمّ عُيّن مديرًا لجامعة الملك عبدالعزيز في فترة امتدت من 1404هـ حتى العام 1414هـ، ثم عضوًا في مجلس الشورى من العام 1994م حتى العام 1998م.

لقد كانت أسرة الدكتور رضا عبيد تقطن في الحي الذي نسكنه، والمسمى بـ»السيح»، والمطلّ على مجرى سيل أبي جيدة في المدينة المنوّرة، ولقد تولت والدته تربيته تربية حسنة، هو وأخيه المرحوم طالب عبيد. وكان الناس في المدينة المنوّرة يتطلّعون إلى الحياة العلمية التي عاشها الأخوان، ويتمنونها لأبنائهم الباحثين عن العلم والمعرفة.

كانت أول معرفتي بمعاليه عند عودتي من الدراسة العليا في بريطانيا، حيث أهديته نسخة من رسالتي العلمية عن أدب المدينة المنوّرة في القرن الثاني عشر الهجري، وفرح بها فرحًا شديدًا، وتوقّف عند اسمي، وقال في لفتة كريمة: أنا أعرف والدك ووالدتك فقد كانا في منزلة الآباء والأمّهات، وكان فضاء المدينة المنوّرة يتسع ليشمل تلك المناقب الكريمة، التي يعرفها أهل الجوار منذ هجرة النبي المصطفى، صلّى الله عليه وسلّم، ومؤاخاته بين المهاجرين والأنصار.

وإذا كان معالي الدكتور رضا قد قام بتطوير البنية التحتية لجامعة الملك عبدالعزيز، مع زملاء له، وتوسيع الدوائر العلمية فيها، فإنه في الوقت نفسه كان يضرب المثل الأعلى في النزاهة والعفّة وحسن التعامل مع الآخرين، وكان بابه في الجامعة مفتوحًا لكل من يرغب في رؤيته ومؤازرته، كما كان أستاذنا يحتفي بكبار السنّ، وخصوصًا من أرباب القلم والكلمة. فلقد قابلت مرة أستاذنا الراوية محمّد حسين زيدان، رحمه الله، وهو يحمل عددًا من ملفّات القبول في الجامعة، وسألته مداعبًا: ما الذي أتى بك يا أستاذنا؟، فأجابني: أريد شفاعة حسنة عند الابن رضا. وفي تلك اللحظة سقط العقال من فوق رأسه فانحنيت وحملت العقال ووضعته على رأسه ثانية، فقال، ودمعة تنسكب على خديه: أعزّك الله يا ابن حمدان، فصداقتي لأبيك علمتك أن تكون صديقًا لي.

وهذا الملح الإنساني عند الدكتور عبيد يتكرّر في كثير من المشاهد والمواقع، فعندما مرضت مربيته، وكانت كثيرة الاحتفاء به وبأخيه، فلم يتركاها وحيدة في البيت الذي تقطن فيه والمسمى بـ»حوش عميرة»، فقد قررا أخذها إلى مدينة الرياض، لتكون قريبة منهما. وهذا الوفاء هو المدخل لشخصية الدكتور رضا عبيد، وهو في المناسبات العامة، وخصوصًا عندما كانت تنعقد جلسات الاثنينية في دار صديقنا الأستاذ عبدالمقصود خوجة، شافاه الله، كان الدكتور رضا يقابل الناس بالابتسامة الصادقة، وكان ينصت لملاحظات الآخرين، هو وزميله أستاذنا الدكتور مدني علاقي.

إن هذه الكلمات التي أنثرها من باب المحبّة في حق أستاذنا الدكتور رضا، لا تفي بمقامه، ولا تحيط بسيرته الوضيئة، وإنما هي في قصارى جهدها، تحية محب، وتلويحة وفاء، وإشارة واجبة في حق هذه الشخصية، التي نسأل الله أن يمنّ عليها بالشفاء العاجل.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store