Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

الخنفشارية: ليس بالضرورة أن تعرف كل شيء!

A A
· القول بأن عصرنا هو عصر التخصص ليس قولاً جديداً.. بل هو أمر معلوم للجميع، خصوصاً بعد أن تشعب العلم وتعاظم الى الحد الذي لم يعد ممكناً معه الإلمام بعلم واحد أو تخصص معين؛ أو حتى بجزء منه.. لقد اختفى العلماء الموسوعيون من كوكبنا، ممن كانوا يزعمون الفهم في الفلك والتاريخ والفلسفة والفقه والرياضيات.. بل أن حتى التعريف القديم للمثقف بأنه الشخص الذي يعرف شيئاً عن كل شيء؛ لم يعد مناسباً ولا مقبولاً في هذا الزمن غزير المعرفة.

·كثيرٌ منّا يلهثون خلف تفسير كل أمر في الحياة والتوقف عنده ومحاولة فهمه، أو التظاهر بفهمه، وهذا لا يعطّلهم عن جوانب كثيرة من جوانب الحياة وحسب، بل يؤثر أيضاً على أرواحهم التي تصل في كثير من الأحيان لمراحل متقدمة من القلق والاكتئاب والإجهاد بسبب هذا اللهاث المزعج، هؤلاء اسميهم (المثقفون الخنفشاريون) الذين يدعون وصلاً بكل علم، ولا تعرف قواميسهم كلمة (لا أعرف)، وهؤلاء يفشلون غالباً حتى في وظائفهم الخاصة بسبب بحثهم العبثي واللانهائي عن معارف لا تنفع، وتجاهلهم لقاعدة تقول: ليس من الضرورة أن تعرف كلّ شيء، وأن تبحث عن معنى كل شيء وأن تفسر كل شيء من حولك، طالما أنك تفهم نفسك جيداً، وتعرف دورك، وتعمل على أن تجيد ما تعرفه.

· معظم مشكلاتنا وخلافاتنا وحروبنا اليومية تنبع من سوء فهم لغوي أو فكري، ومن أحمال نفسية وفكرية التقطناها رغم أنها لا تعنينا أصلاً؛ وكان بإمكاننا القفز عليها بسهولة، فلا تأخذ الكلمات بمعناها السيئ ولا تحاول التعمق في تفسيرها وتأويلها، فكما هو الفهم السقيم آفة العلم، فانه أيضاً آفة الفكر الإنساني، ليس المطلوب بالطبع أن تعيش أعمى، أو مغيباً عن محيطك، لكنك كلما كنت بسيطاً ومتقبلاً لما حولك بمسئولية ووعي، كانت قدرتك على فهم الحياة والتأثير فيها في أعلى وأنقى وأسهل درجاتها.

· يقول الفرنسيون الفهم القليل خير من الفهم السيئ، فلا تحاول ازعاج سكينة ونظام عقلك بما لا يتحمله، ولا يستطيع هضمه و التواؤم معه.. ‏‎أخذ الأمور على علاتها قد يكون ذكاء في كثير من الأحيان، ولأن الشيطان يسكن في التفاصيل كما يقولون فإنه من الواجب عليك ألّا تنزعج من عدم فهمك ولا معرفتك بقليل أو حتى بكثير من التفاصيل من حولك، فجهلك بها يكون أحيانًا رحمة من الله بك، وسعادة يرسلها لروحك، المهم أن تتقبلها كما هي إن لم تزعجك، وتعتزلها وترفضها فوراً ان كانت تسبب لك أدنى أذى أو إزعاج.

· من الجميل أن تكون مطلعاً ومتفاعلاً مع محيطك لكن دون لهاث مقلق ومنهك خلف (الخنفشارية المعرفية).. ليس من المعيب أن تقول: لا أعرف، فالفهم الصحيح للحياة يكمن في إدراكك أنك لن تستطيع فهم كل شيء مهما حاولت، ولن تستطيع أيضاً تغيير الآخرين ليتواءموا مع مفاهيمك الخاصة.. لذا فمن تمام العقل التأني والتعقل في المعرفة، والابتعاد عن الخنفشارية ما استطعت.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store