Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

كورونا.. غابت مؤسسات وحضر الشِّعر

A A
في ظل الظرف الحالي الذي تمر به الكثير من بلدان العالَم نتيجة انتشار فيروس (كورونا)، أظهر المواطنون السعوديون والمقيمون تفاعلاً رائعًا مع قرارات الجهات المختصة، وهو ما أسهم في تقليصِ حالات انتشار المرض، وتسريعِ تقديم الخدمات الطبية للحالات المصابة، وسهَّل على الجهات المختصة ممارسة مهامها. فقد رأينا كيف كان التجاوب سريعًا ومباشرًا مع تعليق الدراسة المؤقت في المدارس والجامعات، ومع الإغلاق المؤقت للمساجد وقصور الأفراح والأسواق الشعبية، ومع الإيقاف المؤقت للمناسبات الرياضية وأماكن التجمعات كافة، وكل ما سبق يدل دلالة أكيدة على الوعي الكبير الذي وصل إليه المواطن والمقيم في هذه البلاد. ما هو جدير بالملاحظة، وقد كشف عنه الظرف الحالي هو ما يمكن أن نسميه غياب الشعور بالمسؤولية الاجتماعية لدى (البعض) في ظل هذا الظرف، وحتى لا يختلط الأمر؛ فصدرُ المقال يتحدث عن (الامتثال) لقرارات الجهات المختصة وتوجيهاتها والتجاوب معها، لكنني هنا أتكلم عن غياب الشعور بالمسؤولية الاجتماعية وأعني به (المبادرات الذاتية) التي يمكن أن تقدمها بعض المؤسسات والجهات للوطن؛ للمساهمة في الحد من انتشار هذا الفيروس وعلاجه. يأتي على رأس قائمة تلك المؤسساتِ البنوكُ والمصارفُ، ومعلوم للجميع ما تملكه من إمكانات مالية، ولذا كان جديرًا بها أن تكون سباقة في المبادرة مع الجهات المعنية في ظل هذه الأزمة وغيرها من الأزمات، ولا أدري كيف غاب عنها أن تحويل الإجازة الأسبوعية من يومَي (الخميس والجمعة) إلى يومَي (الجمعة والسبت) كان مبررُه الأكبر هو لكي يتوافق دوامها -ولو جزئيًّا- مع دوام البنوك العالمية، ما يخفف عليها بعض الخسائر. ومع الأسف لم نرَ لها -حسب علمي- مبادرات تتناسب وإمكاناتها، تكافئ بها -على الأقل- الإجراء الذي اتُّخذ لأجلها بتأخير الإجازة الأسبوعية دعمًا لها ووقوفًا معها. هناك أيضًا (المراكز الطبية والمستشفيات) الخاصة التي تنتشر على ثرى الوطن ولديها إمكانات كبيرة وكوادر طبية مؤهلة، ومع هذا لم نسمع لها مبادرات منذ أن ظهرت أزمة فيروس كورونا وكأن الأمر لا يعنيها، وكأنها لا تتقاطع مع الوطن والمواطنِين في شيء، وكان جديرًا بها أن توظف إمكاناتها أو جزءًا منها وتجعلها تحت تصرف الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة الصحة. وليس بعيدًا عن البنوكِ والمستشفياتِ شركةُ الكهرباءِ والمؤسساتُ التجارية الكبرى والمؤسساتُ الثقافية والرياضية، وغيرها من الجهات ذات القدرات والإمكانات التي بمقدورها تقديم ما يمكن تقديمه في ظل هذا الظرف الراهن. الأمر الذي يستحق الإشادة هو تلك (المبادرات الفردية) التي قام بها بعض المقتدرِين حين جعلوا بعض ما يملكونه من مرافق ومنشآت تحت تصرف الجهات المعنية؛ عرفانًا منهم بحق وطنهم، وإسهامًا منهم مع الجهات المختصة، وحرصًا منهم على أرواح المواطنِين والمقيمِين، وليس لنا أن ندخل في نواياهم، ونسأل عن مقاصدهم، فيكفيهم شرفًا أنهم حضروا عندما غاب غيرهم. وكان ممن أسهم في الحملة ضد هذا الوباء عدد من الشعراء (فصيح وشعبي) حيث تناولوه بوصفه خطرًا ينبغي التصدي له، وتناولوا إجراءات الجهات المختصة معه بالتأييد والمؤازرة، ومنهم من عمد لبث الطمأنينة من خلال أشعاره، ومع هذا وجدْنا من يسخر من تلك الأشعار، ويرى أن قائليها بمثابة فزَّاعات مناسبات!. نعم نتفق على أن للشعر قيمةً جماليةً هدفها بعث المتعة والسعادة، لكن في المقابل كانت ولاتزال له مواقفه في العديد من القضايا الوطنية والدينية والثقافية، ولم يكن طوال مسيرته التاريخية بمعزل عن هموم الناس، ونتفق أيضًا على أنه ينبغي ألا يحضر في كل مناسبة لأجل الحضور، لكن إن لم يحضر في مثل هذه الظروف فمتى يحضر؟!، ولعل الساخرِين من تفاعل الشِّعر مع أزمة كورونا وغيرها من قضايا الوطن الكبرى لا يزالون مرتهَنِين للنظرية العتيقة (الفن للفن) التي فقدت قيمتها في عصر الهموم المشتركة للقرية الكونية الواحدة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store