Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

هدي القرآن لحكمة الإنسان

A A
"يضع الله سرَّه في أضعف خلقه".. فقد سبق لوسائل الإعلام العالميَّة أن تناقلت فيديو للمصور (إيكو آدينتو) في حديقة بيته بمنطقة (ويست جافا) في أندونيسيا لنملة صغيرة تحمل قطعة فاكهة مجوَّفة من الداخل أكبر من وزنها بكثير، تمكَّنت من التوازن وهي على حافَّة ورقة شجر.. فكانت لحظة فريدة أنتجت صورة غاية في الجمال دلَّت على قوَّة النمل؛ هذا المخلوق العجيب يحمل ما يصل إلى مئة ضعف وزنه، لأنَّ عضلاته أكثر كثافة بالنسبة إلى حجم جسمه من تلك الخاصَّة بالحيوانات الكبيرة.

واليوم تنقل لنا وسائل الإعلام من كلِّ أرجاء العالم، وعلى مدى الأربع والعشرين ساعة ما يمكن أن يحقِّقه فيروس (الكورونا) الذي لا يرى بالعين المجرَّدة من شلَّ حركة الحياة اليوميَّة في بلدان العالم، وإجبار سكَّانها التزام منازلهم مع ما في ذلك من تعطيل أعمالهم ووقف مصادر رزقهم ومعاشهم، وتغيير عادات المجاملة المتعارف عليها فيما بينهم منذ فجر التاريخ؛ كالمصافحة باليد؛ وتقبيل الوجنات والعناق حتَّى بين أفراد العائلة الواحدة.. وإشاعة الخوف والقلق عند الكثيرين.. وبهذا نرى بين هذا الفيروس وبين كلِّ ما تملكه البشريَّة من أسلحة وقائيَّة؛ دفاعيَّة وهجوميَّة معركة شرسة؛ مهاجم لا تراه العين المجرَّدة ومدافعون يملكون الجيوش الجرَّارة والأسلحة المتطوِّرة الفتَّاكة معهم عدد من العلماء غالبيَّتهم من حملة جوائز نوبل في العلوم على تعدُّد أشكالها.. وما لم يقيِّضِ الله للبشريَّة وسيلة تدمير هذا الغازي العنيد، فإنَّنا مقبلون على عالم ما بعد الكورونا؛ عالم مختلِف تمامًا عمَّا قبله... قد تعاد فيه قيم ومشاعر وأحكام للبشر بعد تقييمها وتدارسها بمنظور الإنسان المتواضع البعيد عن طغيان قوَّة العلم والمادَّة.. و(الطغيان) -كما كتب عنه الأستاذ عماد الدين أديب- هو تجاوز الحدَّ، والطاغي هو العاصي الجبَّار العنيد.. وفي تعريف آخر فى قواميس اللغة؛ هو الأحمق المستكبر الظالم.

قوَّة العلم وسطوة التفكير والتطوُّر المذهل فى تقنيات العلوم الحديثة، وثورة الاتِّصالات وانفجار المعارف بلا حدود، أثملت رؤوس البشر حتَّى ظنُّوا أنَّهم قادرون على الأرض وما عليها! عندما يُفتن الإنسان بنفسه وقدراته، يحقُّ عليه قوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾.. وصدق ربُّنا في قوله في محكم التنزيل: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾.. ولنا في قوله تعالى في القصص القرآني: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا، كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا، وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا، وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا، لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا، وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا، أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا، وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا، هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا).

ونشهد في عصرنا الحالي صراعًا شرسًا بين القوى العظمى في المجالات العلميَّة والتقنيَّة، وساحة المعركة كوكبنا الأرضي وفي الفضاء.. كلُّ قوَّة تعمل على تهميش الطرف الآخر إن لم تستطع تدميره.. وهي بذلك تتعالى على قدرة المولى ربِّ العالمين في تدبير شؤون خلقه.. ومن أمثلتها قصَّة فرعون في قوله تعالى في محكم التنزيل: ﴿هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى، إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى، اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى، وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى، فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى، فَكَذَّبَ وَعَصَى، ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى، فَحَشَرَ فَنَادَى، فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى، فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾.

هنا يتساءل المرء عمَّا إذا كان في هجمة هذا الفيروس الشرسة على شعوب العالم قاطبة تنبيه للتخلِّي عن الغرور والعودة إلى الله ناشرين المحبَّة، وتكريم بني آدم، فالقادم من الأيَّام قد نراه مختلفًا تمامًا عن واقع ما قبله.. ولا نملك إلَّا الدعاء بالخير والسلامة للجميع.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store