Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

بين الوهم والحقيقة

A A
* كثيرٌ من سلوكيّاتك وتصرّفاتك وأفكارك، غير نابعةٍ من مُنطَلقٍ علمي أو فهمٍ واضح، بل مُنبعها في الحقيقةِ الهوسُ الديني والهيستيريا الجماعيةُ المُنتشرة، وبعضُ الأيديولوجيات الثقافيّة لديك التي تتبعُ القطيع، دون تثبّت ولا مُحاولةِ معرفةٍ أو اطّلاع.

* نقدُ الأفكار السّائدة والشكّ في القناعاتِ وغربلةُ الموروث، تجربةٌ ضروريةٌ لتحريرِ العقلِ من الأوهامِ والخُرافاتِ والأكاذيب، واقترابِه أكثر من الحقيقة، وبالرّغم من ذلك، يبدو أن الإنسانَ يحتاجُ إلى مجموعةٍ من الأوهام الفكريّة والثقافيةِ كوسائل تكيّف مع بعض الحقائقِ الصّادمة.. يقول (فولتير): «الوهْم.. يحتلُّ صدارة كلّ المُتَعِ وأشكالِ السّعادة».

* تجارةُ تفسيرِ الأحلام، تستغلُّ عواطفَ وآلام وقلقَ الناس، وتُتاجرُ بجهْلهم وسذاجتِهم، وتبيعُهم الأوهام، وتُقامر معهم بالصُّدَف والاحتمالات وعوالمِ الغيب، وجميعها من السُّلوكيات التي تنتشرُ في المُجتمعات المُتخلّفة فكرياً وثقافياً.

* يقول (دوستويفسكي): «إن الحقيقةَ الصّادقة دائماً ما تكونُ غيـر قابلةٍ أن تُصدَّق، فإن شئتَ أن تجعلَ الحقيقة قابلةً أن تُصدَّق، عليك أن تُضيف إليها شيئاً من الكذب».. ويقول (نيتشه): «أحياناً لا يرغبُ الناسُ في سماع الحقيقةِ، لأنّهم لا يريدون رؤيةَ أوهامِهم تتحطّم».

* الناسُ تلتفتُ للمُزيَّف المُتصنّع الثرثار بائعِ الأوهام، فهو مادةٌ فُكاهية مثيرةٌ وجاذبةٌ لهم، أمّا إن كنتَ بسيطاً حقيقياً منطوياً متواضعاً قليلَ الكلام، فعليك أن تقنعَ بالجلوس في الصّفوفِ الخلفية بعيداً عن الأضواء.

* يقولُ الدكتور خالد أحمد توفيق: «مساكينٌ نحنُ البشر، نُطارد الأوْهام في كلّ صوب، ثمّ نكتشفُ أنـّها أوهام.. بعد ثوانٍ نرى أوهاماً جديدةً في الأُفق فنُطاردها»!. وأظنُّ -في رأيي- أن السّبب يرجع إلى أن عقلَ الإنسان لا يحتملُ الحقيقة المُرّة، لذلك يخترعُ الوهْم اللذيذ ليعيشَ فيه.

* يقولُ المؤرّخ (غوستاف لوبون): «الجماهيرُ لم تكن في حياتها أبداً عطشى للحقيقة، وأمامَ الحقائق التي تُزعجهم، فهم يحوّلون أنظارَهم باتجاهٍ آخر، ويفضّلون تأليه الخطأ إذا ما جذَبهم الخطأ، فمن يعرفُ إيهامَهم يُصبِح سيّداً لهم، ومن يُحاول قشْعَ الأوهام عن أعينِهم يُصبُح ضحيةً لهم».

* أنت تختارُ تصديقَ الحقيقةَ الأجمل والأقرب إلى قلبك والأقلّ إزعاجاً لنفسك.. وبهذا تكون ما تُسمّيه الحقيقةَ، أقربَ إلى الوهْم، فمن المُفزع والمُدهِش، أن تصطدمَ حين تنضجُ ببعض الحقائقِ حول كثيرٍ من قناعاتِك وأفكارِك وسلوكيّاتك وأمورٍ كنتَ تأخذها كمُسلّمات.. يقول (رينيه ديكارت): «من أجل البحث عن الحقيقة، من الضّروري مرةً واحدةً في مسارِ حياتنا، أن نشكّ -قدرَ الإمكان- في كلّ شيء».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store