Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

الهارب!!

A A
الوقاية من الإصابة بفيروس كورونا هي بالطبع أفضل من علاجه، وعلاجه أصلًا لم يأذن به ربُّ البشر حتّى هذه اللحظة، رغم تقدّمهم الطبّي الذي يتباهون به، وقد لا يعلمون أنّهم لا يُحيطون بشيء من علم الله عِزّ وجلّ إلّا بمقدار ما يلتقطه الطائر الصغير بمنقاره الصغير من قطراتٍ قليلة من البحر، أو هو أقلّ من ذلك.

ومن هنا تأتي أهمّية الحجْر المنزلي لعموم الناس، سواءً كان الحجْر طوْعًا أو كرْهًا، أو بيْن بيْن.

وتخيّلوا الفيروس شخصًا هاربًا من العدالة، ولا يمكن للشرطة تتبّع مسار هروبه ليتسنّى القبض عليه إلّا بعمل خريطة للحيّ السكني الذي يتواجد فيه أو شُوهِد فيه آخر مرّة، فتطلب الشرطة من سُكّان الحيّ البقاء في منازلهم كي يُقبض عليه وحيدًا خلال هروبه لحيّ آخر عبْر الشوارع، فإذا لم يلتزم السُكّان بالبقاء في منازلهم فبإمكان الهارب التخفّي بينهم في الشوارع والهروب لحيّ آخر، ويحتاج الأمر من الشرطة حينذاك لعمل خريطة أخرى تشمل أحياء أخرى حول الحيّ الأوّل ضمن متوالية هندسية معقّدة، ويتصاعد الأمر ليشمل المدينة التي تتكوّن منها الأحياء، فالمدن الأخرى من حولها، والمناطق التي تتكوّن منها المدن، والدولة التي تتكوّن منها المناطق، والعالم الذي يتكوّن من الدول، وهكذا!.

والمشكلة في عمل خرائط مسار للهارب مع عدم التزام الناس بالبقاء في منازلهم هي طغيان ما يُسمّى في الهندسة بالتجريب والخطأ (Trial and error) على الخرائط، بمعنى أن يحصل تجريب وأخطاء قبل الاهتداء للمسار الصحيح، وهذا يحصل في كلّ الدول، والمُوفّق هو من تقلّ تجاربه وأخطاؤه حتّى لحظة القبض على الهارب!.

من هنا أشيد بدور وزارة الصحّة والجهات الأمنية التي تتعاون لتخطيط وتنفيذ الخرائط الخاصّة بمسار الفيروس، وتتبّعه وتحييده، ومنْع انتشاره، فعملها شاقّ للغاية، وتبذل جهودًا ذهنية ومادية كثيرة، ولا يُقدّرها إلّا من يخوض غمارها، ولا يمكن مكافأتها إلّا بالدعاء لأبطالها، والتقيّد التام بما تقرّره، وأهمّها البقاء في المنازل، كي ينكشف الفيروس الذي ما زال هاربًا، ولن يطول هروبه بحول الله، وشكرًا يا أبطال الصحة، ويا أبطال الأمن، كما شكرنا أبطال الحدّ الجنوبي، وما زلنا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store