يَعرِف عُلَمَاء النَّفْس أَنَّ الخَوف يَنقَسم إلَى قِسمَين، خَوفٌ إيجَابي، وهو الخَوف الذي يَمنَع الإنسَان؛ مِن أَنْ يَضع يَده فِي النَّار، أَو يَقطَع الشَّارع دُون أَنْ يَلتَفت، أَو يَبتَعد عَن الكَهربَاء حَتَّى لَا تُؤذيه، وهَذا النّوع مِن الخَوف؛ يَحمِي الإنسَان مِن الوقُوع فِي المَخَاطِر.. أَمَّا الخَوفُ الآخَر -الذي يَتولَّد مَع الإنسَان وهو لَا قِيمَة لَه- فهو الخَوف مِن الفَشَل، أَو الخَوف مِن رَفع سَقف الطّمُوحَات؛ بحجّة أنَّ الإنسَان غَير قَادِر عَلَى تَحقيق مَا يُريد..!
وبَعد اطّلاعٍ كَبير عَلَى الكُتب، والقِرَاءَة حَول الخَوف؛ مَا لَه ومَا عَليهِ، يُمكن القَول:
أَفضَل طَريقة للتَّعَامُل مَع الخَوف، هي مُوَاجهته.. وقَديماً قَالَت العَرَب: (ركُوب البَلَاء خَيرٌ مِن انتظَاره)، وقَالوا: (إذَا خِفتَ مِن أَمرٍ فقَعْ فِيهِ)..!
وطَريقتي فِي التَّعَامُل مَع الخَوف، تَدور حَول هَذين المَثلَين، لِذَلك أُوَاجه نَفسي فِي المَخَاوف، وبَعد المُوَاجهَة أَكتَشف أنَّني -فِي الغَالِب- أَعطيتُ الأمُور أَكبَر مِن حَجمهَا..!
إنَّ المَخَاوف كالكلَاب، إذِا خِفتَ مِنهَا رَكضَت خَلفَك، وإذَا وَاجهتَهَا، لَاذَت بالفَرَار..!
يَقول الرِّوَائي "هيربرت" فِي رِوَايته "Dune" وتَعنِي "الكَئيب": (يَنبَغي أَلَا أَخَاف. فالخَوف يَقتل العَقل. الخَوف مَوتةٌ صُغرَى، تَجلِب دَمَاراً شَامِلاً. سأُوَاجه خَوفي، سأَسمَح لَه بأَن يَعبرني ويَتخلَّلني. وبَعد أَنْ يَمر مِن خِلَالي، سأَنظُر بدَاخلي لأَرَى مَسَاره. فلَن يَبقَى شَيء، حَيثُ مَرّ الخَوف. لَن يَبقَى سِوَاي)..!
نَعم، الخَوف يَشلّ الإنسَان، وقَديماً -ونَحنُ أَطفَال فِي حَارة الأَحَامدة بالمَدينَة المُنيرَة-، كُنَّا نَقول: (الخَوف قطّاع القلُوب)..!
كَمَا أَنَّ المَخَاوف دَائِماً مَا تَأتي عَلى صُورة أَوهَام، وفِي ذَلك يَقول "المُتنبِّي":
وَمَا الخَوْفُ إلاّ مَا تَخَوّفَهُ الفَتى
وَمَا الأمْنُ إلاّ ما رآهُ الفَتى أمْنَا!!
حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!
بَقي أَنْ أَقُول: كَيف يَخَاف مَن تَرعَاه عَين "الذي لَا تَنَام عَينه"، وهو الحَافِظ الرَّقيب؟.. ولقَد صَدق الشَّاعِر حِينَ قَال:
وإذَا العِنَايَة لَاحَظَتَك عيُونهَا
نَمْ، فالمَخَاوف كُلّهنَّ أَمَانُ!!
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
