Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
غسان حامد عمر

من أدب الوباء «1»

A A
وجعلت أنظر إلى تلك السيدة المسنة التي تبيع الخبز، كل يوم في نفس الموعد، نفس الابتسامة، وكأن ما يحدث حولها لا يهز عالمها البسيط، ولا يعبث بسكينتها.. الكل سيأكل الخبز ولو لم يبتع هاتفًا حديثًا بثلاث عدسات.

لا أسهم ولا سندات تقلقها أو تشغل بالها، ولا يعنيها كم نقطة أساس خفض البنك المركزي، ولا كم بلغ سعر «البيتكوين».. القليل يكفيها، والزيادة خير.

تذكرت مقولة أحلام مستغانمي: «‏لتنجو في هذه الحياة عليك أن تكون خفيفًا، ألا تتعلق بشيء ولا بأحد، ما دام ما تناله ينال منك، وما تملكه تشقيه، فبعض الشقاء سببه ياء الجشع حين تخلق لدينا هوس جمع المزيد منها».

لا تعجب لو قلت لك أن بعض الفقر ثراء.

** السبت ٢١-٣

بقدر غرابة ما سأقول إلا أننا سنشتاق إلى فراغ هذه الأيام ولهذه الأجواء الأسرية الحميمة، ولا تستغرب لو قرأت تغريدة أحدهم: اشتقت إلى فراغ عام كورونا!

** الأحد ٢٢-٣

قالت أما زلت تحبني؟

وإن لم يكن ذلك حبًا فما الحبُ يا حواء

أو إن لف النبع ضباب خفيف كفرنا به!؟

** الجمعة 27-3

وكأن الأرض تذكرنا بنعمة التواصل.. كم ضقت ذرعًا بتثاقل الكثيرين من الأصدقاء والمعارف حين أدعوهم لأمسية ما، مؤخرًا استغنى الناس عن الناس، حتى إن أحدهم كان يدعو سبعين شخصًا ليحضر خمسة وعشرون!

المتقاعدون جادون وملتزمون أكثر من غيرهم، والسيدات أكثر التزامًا من الرجال.. تذكرت صديقًا اضطر لتقديم شكوى ضد شركته فخذله الشباب وأنصفته الفتيات!

كثير من المحسنين يحلم بإنشاء مساجد وحفر آبار في أقصى بقاع الأرض، وبعضها تذهب إلى محتالين يقومون بتغيير اسم الشخص المتبرع لنفس المشروع.. فهل تعلمنا هذه المحنة أهمية المراكز البحثية؟

** الأحد ٢٩-٣

خطر ببالي اليوم أن الخضر خرق السفينة حتى لا يأخذها الملك، وقتل الغلام لحكمة إلهية.. فهل حل الوباء لإنقاذ البشرية من حرب كانت لتهلك الحرث والنسل؟

** الاثنين ٣٠-٣

مثل أي موقف آخر في حياتنا، نجد أن كل أحد يقرأه من زاويته.. فالمتشددون يرون أن ما حلّ بنا هو عذاب من ما صنع أيدينا.. والاقتصاديون يهدئون من الروع ويقولون إن هذه دورة اعتيادية لأسواق المال ويرى الشيوعيون فيه نهاية للرأسمالية! لكنني أحلته إلى سؤال آخر من الأسئلة الوجودية التي تضفي على حياتنا غموضًا لذيذًا.

في فيلم الأطفال «ايلف» تلزم طاقة محبة كبيرة لكي تطير عربة «سانتا كلوز».. ربما كنا بحاجة إلى طاقة محبة كبيرة في هذا العالم لكي يزهق عنا الوباء.

** الثلاثاء ٣١-٣

دون عمل ولا صلاة جمعة، تشابهت أيامنا.

** الأربعاء أول أبريل

أتأمل قول الشاعر المكي «طاهر زمخشري»:

أهيم بروحي على الرابية.. وعند المطاف وفي المروتين

وأهفو إلى ذكر غالية.. لدى البيت والخيف والأخشبين

أمرغ خدي ببطحائه.. وألمس منه الثرى باليدين

كانو فقراء زادهم الإيمان ووقودهم الرضا والأمل.

** الاثنين ٦ ابريل

ذهبت إلى المشتل وعجبت لعدد المبالغين، رغم كل شيء هناك من لا يزال يغرس.

** الثلاثاء ٧ إبريل

الطبخ اليومي جعلني أتذكر صديقًا لي كان يطبخ لأسرته وقت محنةٍ ألمت به.. أتساءل: هل يهرع الرجال إلى المطبخ في زمن الأزمات!؟ أهي ثنائية من ثنائيات الحب والحرب؟ كما يهرب الناس في الحرب إلى الحب والزواج ولسان حالهم: لنضع وردة حمراء في فوهة البندقية.

*جاءت هذه الجائحة ومن دون قصد أخرست ضجيج هذا الكوكب، أما آن للكوكب المريض أن يتعافى وللحيوان أن يزيل الإنسان من لائحة المتربصين منه ويهرع للمدن المحيطة هربًا من وحوش الغاب؟

ولم أجد أصدق من قول د. مصطفى محمود: ‏»أحيانًا أتمنى لو توقف هذا الطوفان من الهرج والمرج، وأخذ الناس إجازة من هذا اللهاث، ولو إجازة مرضية، يقضونها في فراشهم يتأملون، ويحاسبون نفوسهم، وينظرون من بعيد إلى شارع الحياة».

خاتمة: ابعثوا برسائلكم، ‏بوحوا بمشاعركم، ‏التقطوا صورًا سويًا، فلا نعلم أنلتقيهم مرة أخرى أم تحول بيننا القيود.

وقيل: إبعثوا بها وإن حالت بينكم وبينهم القيود.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store