مجلة «حصاد البر» والنهوض بالإعلام الخيري

قضيت ما يقرب من عشرين عامًا في الإعلام الخيري، رئيسًا لتحرير ثلاث مجلات رصينة كانت تصدرها كبرى الهيئات الخيرية في العالم الإسلامي (هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية)، التي شاركت في أولى خطوات تأسيسها قبل أكثر من أربعين عامًا مع الدكتور فريد ياسين قرشي -رحمه الله- ورجال آخرين مخلصين كثر، حتى باتت شجرة وارفة الظلال وآتت أكلها على مدى عشرات السنين ببرامجها الكثيرة الدعوية والتعليمية والصحية والإغاثية وسواها، بجهود أمانتها العامة ومكاتبها الداخلية المنتشرة في كل أنحاء المملكة، والخارجية المنتشرة في دول العالم شرقه وغربه وشماله وجنوبه.. وصدر من تلك المجلات: الإغاثة وينابيع الخير و(إغاثة) الإنجليزية مئات الأعداد والاصدارات التي وزعت بملايين النسخ لتدخل كل بيت ومكتب في المملكة على مدى عقدين، اضافة الى توزيعها من خلال مكاتب الهيئة في دول العالم.

وقد حرص أمناء الهيئة العامون على استمرار هذا الزخم الإعلامي في الهيئة من خلال هذه المجلات ووسائل إعلامية أخرى لإيمانهم جميعًا بأن الإعلام هو الساعد الأيمن للجمعيات والمؤسسات الخيرية الذي يبرز وجهها المضيء، من خلال إنجازاتها على الأرض، ويبين لكل متبرع دورة كل ريال يقدمه منذ استلامه حتى وصوله الى يتيم أو فقير أو جائع أو لاجيء أو مريض أو دارس إلى آخر القائمة.. ولم تلتفت الكثير من المؤسسات الخيرية لأهمية الإعلام ما جعل بعضها في عزلة عن المجتمع وحد من تدفق التبرعات لها من قبل الموسرين وغيرهم..

وقد سررت كثيرًا بمجلة (حصاد البر) التي أهدى اليّ نسخة من عددها الأول الأخ الكريم والصديق الحميم معالي الدكتور سهيل بن حسن قاضي رئيس مجلس إدارة جمعية البر بجدة، التي تصدر هذه المجلة، وبحكم خبرتي الطويلة في تحرير هذا النوع المتخصص من الإصدارات وقفت عند هذا العدد المتميز وقفة متأنية، أتأمل شكله ومضمونه، فوجدته حافلا بالموضوعات والتحقيقات المدروسة جيدًا جدًا في عدد من مجالات العمل الخيري في العالم والمملكة، وصولا إلى برامج جمعية البر بجدة التي تفوقت على كثير من الجمعيات الأخرى داخل المملكة خلال عملها على مدى أربعين عامًا مضت على تأسيسها.

وقد قدمت إطلالة العدد التي أعدتها أسرة التحرير لهذا العدد الأول باحترافية عالية حين بينت أن هذا الاصدار لا يرمي إلى إبراز مشروعات الجمعية وبرامجها فحسب، بل عُني له أن يكون منصة ثقافية لكل ما يتعلق بالبر والعمل الخيري من خلال ملفات ثرية تشمل الماضي والحاضر وتتطلع للمستقبل.. وما أجمل أن يبدأ العدد بكلمة مضيئة لقائد هذه الأمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز جاء فيها «ما يميز هذه البلاد هو حرص قادتها على الخير والتشجيع عليه وما نراه من مؤسسات خيرية في مختلف المجالات سواء التي تحمل أسماء ملوك هذه البلاد أو سواها إلا جانب واحد من الجوانب المشرقة لبلادنا».. واستهل العدد بملف متقن عن مسيرة العمل الخيري الطويلة للملك المفدى خلال عقود طويلة داخل المملكة وخارجها تشمل بناء المساجد ورعاية الأيتام وبناء المساكن للفقراء والمحتاجين ودعم حلقات تحفيظ القرآن وغيرها.

ومن أهم ملفات العدد كذلك ملف عن مسيرة جمعية البر خلال أربعين عامًا، من أهم ما ورد فيه: تخصيص 320 مليون ريال لرعاية الأيتام و183 برنامجًا ونشاطًا لتمكين الأيتام، وبرامج لأكثر من 33 ألف أسرة بمبلغ يتجاوز مائتي مليون ريال، وأكثر من 300 مليون ريال للرعاية الصحية، و530 ألف جلسة غسيل كلوي، وغير ذلك كثير.

إضافة إلى ملف موسع عن القطاع غير الربحي في رؤية 2030، تحدث عن رفع مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي غير النفطي من 5 مليارات إلى 16 مليار ريال، ما يعزز دور القطاع غير الربحي في التنمية.. كما ضم العدد ملفًا موسعًا عن أعمال البر للمملكة العربية السعودية في الخارج التي تجاوزت قيمتها 115 مليار ووصلت الى 90 دولة.. وقد اتسعت هذه المبرات بشكل محلوظ منذ إنشاء مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في عام 2015م.. اضافة الى مقالات احترافية عدة بأقلام ذوي الخبرة في العمل الخيري والإنساني، وكل ذلك ضمن إخراج وتنفيذ رائعين.

لاشك في أن مجلة (حصاد البر) التي صدرت مؤخرًا عن جمعية البر بجدة تعتبر واجهة إعلامية مضيئة للعمل الخيري والإنساني في المملكة بشكل عام، وتسد ثغرة كبيرة في الإعلام الخيري الذي شهد تراجعًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة مع أنه حجر الزاوية في التشجيع على العمل الخيري ودعمه ماديًا ومعنويًا.