Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
حليمة مظفر

لأن الزواج.. ليس مُجرد «أربعة أرجُل»!!

A A
تخبرني إحدى الصديقات عن تجربتها في الزواج :»لم نكتشف أنا وزوجي، لأننا تزوجنا صغاراً، متعة الحياة الزوجية والسعادة إلا بعد مرور أربع سنوات من زواجنا، كنّا خلالها أشبه بموظفين وفق مفهومنا التقليدي للزواج»، والسبب في تغير حياتهما للأجمل أنهما قررا تحول علاقتهما إلى صديقين يقبلان على قراءة كتب في الثقافة الزوجية معاً بروح تتفهم كنه العلاقة، واليوم زواجهما مستمر لسنوات، ولديهما ستة أبناء، وتقول لي:»حتى اليوم أنا وزوجي نادمان على ضياع أربع سنوات من عمرنا لم نفهم فيها ماذا يعني الزواج سوى أنه علاقة وظيفية وأولاد فقط»!.

أعتقد مثل قصتها تتكرر كثيراً اليوم خاصة في حالات الزواج التقليدي؛ ولكن إن كانت المشكلة في جيل الأمس تتمثل في ضعف الثقافة الزوجية وانحسار الرؤية في الحياة التقليدية نتيجة ظروف المجتمع الثقافية وفق تلك المرحلة الزمنية قبل عشرين عاماً؛ فإن المشكلة اليوم باتت تتمثل في ضعف الشعور بقيمة الزواج ذاته ومسؤوليته عند كلّ من الطرفين واستسهال الاستغناء عنه نهائياً في ظل الاستقلال المادي، الأمر الذي أدى ـ للأسف الشديد- إلى ارتفاع نسبة الطلاق بين الشباب من جهة، ومن جهة أخرى العزوف عنه، لأن متطلبات الأمس لم تعد متطلبات اليوم في ظل الانفتاح العنكبوتي المعلوماتي، وأصبح الزواج التقليدي -كما أظن- سبباً من أسباب عزوف الكثيرين هروباً من الارتباط بمجهول يكبِّده خسائر مادية وقد ينتهي بتعاسة أو طلاق! ما لم يكن شريك الحياة وفق المُتطلبات التي يحتاجها كل من الطرفين في الآخر، فهذا السقف ارتفع كثيراً في ظلّ ارتفاع نسبة التعليم لدى الفتيات وتحقيق طموحهن، فيما الشباب باتوا أيضاً لا يبحثون عن ربة بيت تنتظره كل يوم بقائمة الطلبات المنزلية بل عن عروس مُتعلمة وموظفة تشاركه الأعباء والحياة المعيشية المرتفعة، فيد واحدة لا تصفق!.

المؤسف أن الانفتاح المعلوماتي والدراما التركية المزيفة ومطالعة حياة الناس عبر حسابات السناب شات ومواقع التواصل الاجتماعي؛ كل هذا جعل دائرة المأمول والمُتوقع في مؤسسة الزواج واسعة جداً لدى فئة الشباب والشابات؛ مع نسيان مسألة غاية في الأهمية «إنسانية الزواج ذاته»، إذ ارتفع سقف المتطلبات لدى كل من الطرفين في شريك الحياة المادية والشكلية بعد ابتلاع السوق الإعلاني للواقع وترويجه الماديات والسفر كسبب تحقق السعادة، مع العلم أن ما يُنشر في مواقع التواصل الاجتماعي كثير منه مزيف وكاذب ومجاني!.

ولهذا هناك حاجة ماسة لأن يفهم الشباب والشابات مع هذا الانفتاح الثقافي والتوسع الفكري والترفيهي بأن هناك ما هو أعمق في علاقة الأزواج بعضهم بعضاً، ليس مجرد حبّ لأن الحبّ قد ينتهي بل هو الاحترام المتبادل والتقدير والرحمة، وهذا الثلاثي هو ما يُبقي على «المودة» التي تعتبر أسمى المعاني الإنسانية داخل مؤسسة الزواج حتى النهاية، هذا العمق يُؤسس تقاسم الحلوة والمرّة من الطرفين معاً، وحين يكون في وعي الزوجين هذا الحد من العمق في شراكتهما؛ فإن علاقتهما لا ولن تتعكر بسبب قلة المال أو مرض عُضال أو عدم إنجاب، وستتحول الأزمات إلى وسيلة تتوطد معها علاقتهما وتتجه بها نحو الالتحام دون أن يشعر أحدهما بأنه تفضَّل على الآخر.

بالمختصر المفيد، الزواج أكبر من مجرد «علاقة جسدية» أو «تفريخ للأطفال» أو أن يكون «ديكوراً اجتماعياً» للتباهي و»الفشخرة» أو «وظيفة» تنهض على المصالح المُحققة بين الطرفين متى ما انتهت باتت العلاقة مُهددة بالاستغناء!. وللوصول إلى معناه لابد من صراحة الإجابة الذاتية عن هذا السؤال من الرجل أو المرأة: لماذا أريد أن أتزوج؟!، والإجابة ستُحدد أطر الفهم والمعنى، وهذا الفهم سيحدد كيفية بنائه واستمراره؛ مع التأكيد أنه كما يقول الشاعر النمساوي راينر ماريا ريلكه:»الزواج أكبر بكثير من أربعة أرجل على السرير»!، فزيجات «التيك أوي» وزيجات «المصالح» تخرج من هذا السياق؛ كونها زيجات آيلة للسقوط في أي وقت ولأي ظرف.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store