Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

سبل الرشاد في إدارة شؤون العباد

A A
ويحِّل عام هجري جديد، ويتكرَّر الدعاء والرجاء من ربِّ العباد بأن يقترن حلوله بانفراج أزمة الكورونا التي ما تزال تداعياتها مصدر قلق وازعاج لجميع الأمم والشعوب.. وجميعنا في انتظار وترقُّب ممَّا سيتوصَّل إليه العلماء في مختبرات الصحّة ومكافحة الأوبئة من عقار يحدُّ وإلى الأبد من انتشار فايروس كورونا، ليشفي المصابين بدائها، ويضع حدًّا لربط رجال المال والاقتصاد بين فايروسها وبين الركود الاقتصادي الذي تسَّبب في تسريح الشركات والمصانع للعديد من موظَّفيها وعمَّالها، ليزداد عدد العاطلين عن العمل وتضيق عليهم وعلى أسرهم سبل الحياة الكريمة.

كيف لا! وهم ينزلقون إلى خطِّ الفقر وما تحته بعد أن كانوا ينعمون برزق وفير وحياة مستقرَّة.. ويضيم شعوبًا كانت وإلى وقت قريب لا تحسب لتقلُّبات الزمن حسابًا.. ولكم اغترَّت بما لديها من أموال؛ هي في الحقيقة أموال الله، وهم عليها مؤتمنون، لا مالكون لها، وفيها حقٌّ معلوم للسائل والمحروم ضنُّوا له عليهم.. كانوا فرحين بما لديهم، غير مولين ذكر الله في قرآننا الكريم عن قارون اعتبارًا، ولا متَّبعين قوله تعالى وهو يسرد علينا قصَّته: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ كان قارون يملك مفاتيح الحجرات التي ضمَّت من الكنوز ما يصعب على مجموعة من الرجال الأشدَّاء حمله.. لكن قارون بغى على قومه بظلمه واغتصابه أرضهم، وبإسرافه في ملذَّات الحياة إسراف من لا يخشى الفقر.. آنذاك، تدخَّلت القدرة الإلهيَّة لتضع حدًّا لاستهتاره بمال الله... فجاء العقاب حاسمًا: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾.

هكذا في لمحة خاطفة ابتلعته الأرص، وابتلعت داره.. وذهب ضعيفًا عاجزًا، لا ينصره أحد، ولا ينتصر بجاه أو مال.. وهذا عقاب الله لكلِّ أُمَّة مستهترة بما أفاء الله عليها من مال وجاه.. ونرى الأمثلة في بلدان مجاورة، كان سكَّانها في رخاء ونعيم، وقِبلةً لرجال المال والأعمال، وطالبي العلم والعلاج وقاصدي المتعة والاستجمام.. فأصابهم ما أصاب قارون من غرور.. فزال عن غالبيَتهم النعيم، وحلَّ بهم الجحيم.. وصار بعضهم ممن ضاقت عليهم سبل العيش، يقصد حاويات القمامة للحصول على فتات الخبز وبقايا الطعام.. وزاد الطين بلَّة، فساد من بأيديهم السلطة في بلدانه، وسرقة المال العام من موارد، حتَّى من مدَّخرات المودعين في البنوك، وتهريبها لتودع في بنوك خارج حدود دولهم وبأسماء أبنائهم وأقاربهم، وحتى بأسماء رقميَّة يتعذَّر على لجان مكافحة الفساد وسرقة المال العام التعرف إلى مودعيها.

لقد أحسنت صنعًا جهات المراقبة الماليَّة في مملكتنا في التحرِّي عن مصدر أموال الأثرياء الجدد المودعين أموالهم في التجارة والعقارات والبنوك، وعن دورة المال بين الأشخاص والبيوت الماليةَّ داخل المملكة وخارجها للحفاظ على المال العام، واستعادة المنهوب منه، لصرفه بما ينفع العباد ويحفظ للأمَّة رفاهها وتقدُّمها في شتَّى مجالات العيش الكريم، لتحتلّ مكانة مرموقة لائقة بين الأمم التي حقَّقت الكثير من آمال شعوبها وتطلُّعاتهم.. ومن يتِّبع سبل الرشاد في إدارة شؤون البلاد والعباد لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، ويضمن سعادة الدارين، وهداههم: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكًمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store