Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

شعار المرحلة.. انقُد تُشكَر

A A
يقع الكاتب -حين يكتب مقالاً عن مؤسسة ما- بين أمرين: فإما أن يصرف المقالَ كلَّه لمدح المؤسسة المعنية بالمقال من رأس هرمها المسؤول (الوزير، الرئيس، المدير، القائد...) إلى أصغر موظف فيها، فينال بذلك رضا رأس الهرم، وتنثال عليه خطابات الشكر وعبارات الامتنان، وهذا الشكر وأشباهه ليس هدفًا للكاتب الصادق مع نفسه ومجتمعه. وإما أن يصرف مقاله لبيان الخلل الحاصل في المؤسسة، والإشارة إلى جوانب القصور، وبيان حق المستفيدِين من المؤسسة في أن تُقدَّم لهم خدمات وافية تحقق آمالهم وطموحاتهم، خصوصًا والدولة لم تقصر مع المؤسسات كلها دعمًا ومساندةً؛ كي تفي بواجباتها تجاه المواطنِين، ونتيجةً لذلك فربما تصل الحال بالكاتب للاستجواب والمساءلة وغيرها. في المسار نفسه نجد عبارة (النقد الهادف) تتردد كثيرًا على ألسنة بعض المسؤولِين، ويستمسكون بها، ويشددون عليها، ومعلوم أن النقد الهادف يعني بيان مواطن القصور والخلل دون تجريح للمؤسسة وإدارتها، والحاصل أن معظم المقالات الناقدة -إن لم تكن كلها- تدخل في باب (النقد الهادف)، لكن أولئك البعض من المسؤولين يستخدمون تلك العبارة ومقصدهم (ألا تكتب نقدًا؛ بل وصفًا ظاهريًّا أو مدحًا). ودون شك فإن المحسن ينبغي أن يُقال له أحسنت متى توافرت مقومات الإحسان في أداء مؤسسته، وبالمقابل -وهو الدور الأهم للكاتب- ينبغي أن يقال للمسيء أسأت متى ما توافر في أداء مؤسسته ما يستحق ذلك. ينبغي أن يعي المسؤول أن النقد الهادف لا يعني أن يُقدِّم الكاتب عبارات الاستجداء والتلطُّف مع المسؤول ومؤسسته حتى يصل للب القضية؛ وإنما يعني أن يصف الكاتب الحالَ كما هي (مباشرةً) دون استجداء أو مداهنة . وفي المسار نفسه أيضًا يبدو أن بعض القائمِين على المؤسسات فهِمَ عبارة (الفكر يقارع بالفكر) على أنها تعني (الفكر يقارع بالمصادرة والوعيد)، ولا أدري كيف غاب عن هؤلاء أن الرد على الحجة بالحجة متاح لهم عبر الوسيلة نفسها التي ظهر فيها المقال، وكيف غاب عنهم أن خطابات الشكر لا تتوقف على المادح بل تتخطاه إلى الناقد، وهذا ما فعله صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مَعِيَ عندما كان وزيرًا للتربية والتعليم؛ حيث أرسل لي خطاب شكر على مقال أوردتُ فيه بعض الملاحظات على الوزارة، وتلك ميزة لا يُلقَّاها إلا المسؤولون الصادقون الواثقون، ولا أدري ما الذي يمنع المسؤولَ من الرد على الكاتب بتوضيح الأمر سواء عبر الوسيلة الإعلامية نفسها أو عبر خطاب خاص؟، وقد حصل أنَّ (شركة اقتصادية عملاقة) وعدت ذات مرة بأن تهدي الطلاب الموهوبِين المتفوقِين أجهزةَ (آيباد)، وبعد طول انتظار لم يحصل الطلاب على شيء بالرغم من الرفع لها بأسمائهم، عندها كتبت مقالاً حول هذا الأمر، ولم ترد الشركة على المقال بالرغم من كثرة خطابات الشكر التي توزعها على كل مقال يُكتب عنها مدحًا أو وصفًا. وعمومًا فالقائمون على رأس هرم المؤسسات ليسوا سواءً؛ فمنهم من لا يقبل إلا المدح له ولمؤسسته، فذلك مُعتلٌّ، ومنهم من يتقبل النقد والملاحظات ولا يرد، فذاك حكيم، ومنهم من يتقبل النقد والملاحظات ويرد بالحجة، فذاك منطقي، ومنهم من لا يتقبل النقد والملاحظات ويرد بالاستجواب، فذاك فاقد للثقة، ومنهم من لا يُقدم خطابات الشكر وعبارات الثناء إلا لمن تجمعه به (صداقة أو علاقة ما)، فذاك مصلحي، وأعلاهم ثقة (في نفسه وأداء مؤسسته) من يتقبل النقد والملاحظات ويرد (بشكر الكاتب) على نقده وملاحظاته، وقليلٌ ما هم.
لذا وفي ظل الحرب القائمة اليوم على الفساد فإنه ينبغي أن يكون شعار المرحلة (انقُدْ تُشكَرْ) بدلاً من (امدحْ تُشكَرْ).
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store