Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

تدبُّر الكون في حكمة الخالق

A A
ودخل علينا محرَّم؛ أحد الأشهر الأربعة التي ذكرها المولى في القرآن الكريم بقوله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾.

جاءت في كتب التفاسير الآية: ﴿فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أنْفُسَكُمْ﴾، أنَّ الظلم في الأشهر الحُرُم أعظم خطيئةٍ ووِزْرًا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كلِّ حال عظيمًا.. لكن الله يعظِّم من أمره ما يشاء.. وكانت العرب قد التزمت حرمة الأشهر الحرم استجابة لمناجاة سيِّدنا إبراهيم الخليل عليه السلام ربَّه حين رفع القواعد للبيت العتيق بقوله: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأَتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾.. والحج إلى بيت الله الحرام يستلزم توفير الأمن والأمان لقاصديه، وسلامتهم من قطَّاع الطرق واللصوص.. وكانت ظاهرة مقلقة شهدتها جزيرة العرب على مسارات ركب الحجيج إلى أن قيَّض الله لحكم هذه البلاد الملك المؤسّس عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه، فقضى على هذه الظاهرة، وقطع دابرها، وسادت السلامة والأمن للحجيج والمسافرين كلَّما وأينما اتَّجهوا وحلُّوا في ربوع المملكة العربيةَّ السعوديَّة.

كم جميلٍ لو تلتزم الدول العربيَّة والإسلاميَّة بتعظيم الأشهر الحُرُم، ويوقفوا متحاربيهم خلالها عن القتال فيما بينهم مهما كانت أسبابه ومبرِّراته.. ومن الأجدى اعتبارها هدنة ولو غير دائمة تلزم الأطراف المتناحرة ومؤازريهم من موقدي الفتن التقيُّد بها لراحة من بعد معاناة القتال والمعارك الدامية التي خاضوها عبثًا.. وليتدبَّروا بالعقل والمنطق مبرِّرات ما يرتكبون من استنزاف وقتل وتدمير في أرض ذكرها المولى بقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّٰالِحُونَ﴾.. ومن الصلاح إشاعة السلم والسلام والاطمئنان بين الناس والحفاظ على حياتهم لقوله تعالى: ﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ، أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ، فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جِمِيعًا﴾.

ولأنَّ دعوتنا دعوة عالميَّة للسلم والسلام، فلتبدأ بنزع أسلحة الدمار الشامل من البلدان كافَّة، ووقف انتاج مفاعلاتها النوويَّة التي تهدّد حياة البشر.. ووقف مختبرات إنتاج الأسلحة البيولوجيَّة أيضا بكلِّ أنواعها.. وأن تتوسَّع في إنتاج ما يعمر الأرض ويحييها، ويزيد من عطائها، استجابة لاستخلاف الخالق خلقه لإحياء الأرض التي أورثها لهم بقصد عمارتها وإنمائها واستغلال كنوزها وثرواتها.. وهذا يتطلَّب العناية بالبيئة والحفاظ على كلِّ ما حولنا فيها من ماء ونباتات وهواء وغذاء.. ولأنَّ العلاقة بين الإنسان والبيئة علاقة تبادليَّة، أي أنَّ كلا الطرفين يؤثّر ويتأثَّر بالآخر، فعندما تكون عناصر البيئة صحيَّة ونظيفة، تنعكس بشكل إيجابي على صحّة الإنسان ورفاهيَّته، وعلى العائلات والمجتمع بكلِّ أطيافه واقتصاده.. وخلاف ذلك، فقضاء ببطء على حياة المخلوقات من بشر وحيوان ونبات.. ولأنَّ قول الحقِّ فِي حكمة الخالق لم تأتِ سُدًى، فحريٌّ بِنا جميعًا أن نتدبِّرها.. والله جلَّ وعلَا القائل: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store