Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

ليست صحراء.. إعادة اكتشاف السعودية

A A
كانت ولا تزال مفردة (الصحراء) ملازمة للسعوديين، وهي المفردة التي تأتي على ضربين: الأول يأتي بحُسن نية، والأخير يأتي وله مقصد (تعييري)؛ أي أن السعودي لايزال يراوح حول خيمته وبعيره، وبالتالي فهو -مهما بلغ- لم يترقَّ معرفيًّا ولا ثقافيًّا ولا فكريًّا ولا اجتماعيًّا ولا تنمويًّا. الانتساب للصحراء ليس منقصة، لكن حينما نلقي نظرة على الخارطة الطبيعية للسعودية نجد أن الأجزاء الصحراوية منها تتمثل في صحاري (الربع الخالي، والدهناء، والنفود)، وهذه الصحاري مجتمعة ربما تزيد قليلاً عن ثلث مساحة السعودية، والثلثان المتبقيان -أو أقل قليلاً- عبارة عن سلاسل جبلية، وهضاب، وحرَّات، وأودية، وسهول ساحلية وغيرها. هذا فضلاً عن أن الغالبية الكبرى من السكان لا يعيشون في الصحراء، والقلة القليلة وإن كانوا يعيشون في الصحراء إلا أنهم يتمتعون بما يتمتع به الإنسان العصري. على هذا فإن الذين يرون صورتنا لا تتحول عن الصحراء، هم الذين لا يرون أننا تحولنا وسايرنا العصر، ولذلك تراهم ينعتوننا بأبناء الصحراء، ليس من باب النسب إلى الصحراء -مع أنه لا يقطنها إلا القلة- وإنما من باب ما يترتب على الانتساب للصحراء من جلافة وتأخر عن المدنية وأسبابها. الانتساب للصحراء طوال الفترة الماضية كان له تَبِعاته حتى على السعوديين أنفسهم؛ فقد صادر المقومات الأخرى التي تكتنزها المملكة، ممثلةً في سلاسلها الجبلية وغاباتها، ومواسمها المطيرة، وهضابها، وحرَّاتها، وأوديتها، وسهولها وشواطئها، وجزرها، وبحارها؛ فضلاً عن أن الحضارة والحياة والتطور تقوم -بشكل أكبر- حول هذه المقومات، وكل ما سبق من مقومات طغى عليه الانتساب للصحراء التي لا تشكل إلا ثلث مساحة السعودية، وقد تزيد قليلاً. في المقابل أيضًا مرت فترة من الزمن لم تكن تُعرف السعودية -من ناحية الثروة- إلا بالبترول (المرتبط بالصحراء)، وهو وإن كان -ولا يزال- المصدر الأكبر للدخل إلا أنه ألقى بظلاله على ثروات أخرى تتميز بها السعودية وذات مردود اقتصادي؛ فأين نحن من تمور القصيم، وعسل تهامة، وفواكه السراة، ومانجو جيزان والقنفذة، وزيتون الجوف؟، أضف إلى ذلك فقد اكتُشفت أخيرًا مواقع جذب سياحية كتلك التي في جبال جيزان بخضرتها وتشكيلاتها العجيبة، وأودية تهامة بخصوبتها ومياهها وسدودها ومأكولاتها وفنونها، والعُلا بطبيعتها الجيولوجية النادرة، ونجران بآثارها، وأملج والوجه وضبا بسواحلها الفاتنة، والدواسر بمزارعها. هذه الكنوز وغيرها تُضاف لما تتمتع به عسير والطائف والباحة من مواقع جذب سياحية متقدمة، ولا يغيب عنا الحرمان الشريفان بوصفهما مركزَي إشعاع ديني وحضاري منذ القِدم. لعل من بركة وسائل التواصل الرقمي، إضافة للظروف التي شكلتها كورونا أنها ساهمت في دفع عجلة التحول الذي تعيشه السعودية؛ وذلك بإبراز وسائل التواصل لكنوزها المتناثرة على ثراها من خلال شباب امتلكوا ناصية التقنية، وبأطر كورونا للمواطنين ليحولوا وجهتهم إلى ربوع بلادهم فيكتشفوها. حقًّا لقد اكتُشفت السعودية من جديد، وهو الاكتشاف الذي يساير الرؤية ويعاضد مسيرة التحول، ويُصادر التعيير بالانتساب (الكلي) للصحراء، ويُثبت أن السعودية تمثل قارةً في تعدد مصادرها الحضارية والثقافية والتراثية، وتنوع ثرواتها ومقوماتها وطبيعتها الجغرافية ومنجزاتها العلمية والفكرية. ويَبقى الدور الأكبر على وزارتَي (السياحة والثقافة) وهيئة الترفيه -ومن يعنيه هذا الأمر- لتطوير كنوز القارَّة السعودية ومقوماتها واستثمارها؛ تعزيزًا للرؤية ومسايرةً للتحول وتصحيحًا للصورة المغلوطة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store