Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

وَكَانَ وَعْدُ الله حقًّا

A A
﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾، فلا حياة للمخلوقات بدون ماء يروي العطش ويحيي الأرض لتوفِّر لكلِّ من عليها سلَّة غذاء، وللإنسان المواد الأوَّليَّة للصناعات الغذائيَّة والإنشائيَّة والكيميائيَّة، وتخلق الأوكسجين الذي يولد من العوالق النباتيَّة التي تعيش بالقرب من سطح الماء، وتتجوَّل مع التيَّارات كباقي النباتات.

يصنِّف عدد من الفقهاء وعلماء البيئة والقانون مصادر المياه بأنَّها مشاع لا يجوز احتكار مساراتها وتدفُّق مياهها بما قد يسبِّب للآخرين قريبين أو بعيدين ضررًا في أرزأقهم ومعاشهم.. وهذا ما حدا بالمجتمع الدولي والعرف والعادات عند المجتمعات من قديم الزمن وضع قواعد لتوزيع المياه بين الجيران أفرادًا ودولًا، وأرسى قواعد لبناء السدود وتحديد كميَّات تدفُّق المياه منها، ومن المياه الجوفيَّة تحت أراضي البلدان المتجاورة فيما بينها حتَّى لا يكون هناك في استهلاك المياه إسراف وعدوان ولا ضرر ولا إضرار.

في الأثر عن نبيِّنا الكريم عليه الصلاة والسلام أنَّه نهى عن الإسراف في استهلاك الماء؛ «وَلَوْ كَانَ أَحَدُنَا عَلَى نَهْرٍ جارٍ»، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.. يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾. وتوجيهه عليه الصلاة والسلام أيَضا كما يُروى: «كُلْ وَاشْرَبْ وَالْبِسَ وَتَصَدَّقْ بِغَيْرِ سَرَفٍ وَلا مَخْيَلَة».. فالمؤمن مأمور بالاقتصاد في كلِّ شيء، ومُنهًى عن الإسراف حتَّى في الماء وهو يتوضَّأ ويغتسل..

نرى اليوم مع الانفجار السكَّاني وما تبعه من زيادة في استهلاك المياه مع محدوديَّة كمِّيَّاتها ومصادرها دولًا تتنازع فيما بينها للسيطرة على أعلى نسبة من مصادر المياه لتأمين احتياجات شعوبها ورفاهيَّتهم على حساب دول الجوار، وتبني السدود العملاقة لتحتفظ بأكبر مخزون مائي حتَّى ولو تسبَّب ذلك المخزون في حرمان دول الجوار من نصيبهم من المياه ، فتتقلَّص مواردهم الزراعيَّة والحيوانيَّة، وتتصحَّر تربتهم.

في منطقتنا العربيَّة، زرع الاستعمار دولة عنصريَّة تعمل على تهويد المنطقة العربيَّة من الماء للماء- (من النيل إلى الفرات)، كما يتردَّد في إعلامها، ويُرمز به بخطَّين أزرقين متوازيين على علمها، أي من البحر الأسود شمالًا وبحر العرب جنوبًا.. كلُّ ذلك بتسهيلات من الدول الاستعماريَّة التي وفد منها إلى فلسطين شذَّاد الآفاق ليهجِّروا معظم أهلها العرب إلى دول الجوار، وأصقاع العالم كافَّة.. كلُّ ذلك لراحة المستوطنين الأوروبيِّين.. ولتوفير معاشهم ورفاهيتَّهم، عملت على سحب مياه دولتي الأردنِّ ولبنان ممَّا تسبَّب في حرمانهما من نسبة كبيرة من المياه، ونقص في الموارد الغذائيَّة والصناعيَّة وتصحُّر معظم أراضيهم الزراعيَّة.. يتمُّ ذلك تحت سمع العالم الذي التزم الصمت حفاظًاعلى أمن اقتصاد بلدانهم لسيطرة اليهود على أسواق المال والأعمال فيها.. ولا غرابة في ذلك لمن تسنَّى لهم قراءة بروتوكولات بني صهيون الأربعة والعشرين التي أقرَّها مجلس حكماء اليهود عام 1901 بهدف تدمير الشعوب المعتنقة المسيحيَّة والديانات الأُخرى، لتكون اليد العليا لمعتنقي الديانة اليهوديَّة. وفي سبيل هذا الهدف، أطلقوا على توراتهم «العهد القديم»، وعلى الإنجيل «العهد الجديد»، وجمعوا العهدين بكتاب واحد يقدِّسه اليوم مسيحيُو العالم كخطوة أُولى لترسيخ فكر الصهيونيَّة في ذاكرة المسيحيَّين ووجدانهم.. لكن، لأنَّ الله يمهل ولا يهمل، فحريٌّ بنا ونحن تبتهلُ إلى الله لدرء المصاب عنَّا ألَّا يغيب عن البال، ولو للحظة، قوله جلَّ وعلَا عن مكرهم في ثماني سور وآيات فيها، ومنها: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْـمَاكِرِينَ﴾، وَكَانَ وَعْدُ الله حقًّا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store