Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
حليمة مظفر

هل تعرف «جازان» أرض «النفط الأخضر»..؟!

A A
في ظلّ ضعف وقصور إعلامنا الموقر؛ فإن كثيرين يجهلون «جازان»! جغرافياً وتاريخياً وثقافياً، فهل تعرف مثلاً فرق الاستخدام بين المسميين «جَازان» و»جِيزان»؟!، الأولى تُطلق على المنطقة الساحرة جنوب غرب سعوديتنا الحبيبة المُطلة على البحر الأحمر؛ وتتبعها 16 محافظة تقريباً وعشرات القرى؛ تصل مساحتها إلى أكثر من 13000 كم2، أي أكبر من دويلة اسمها «قطر» وضعف عاصمتها»الدوحة» أكثر من عشر مرات، فيما»جِيزان» مُسمى المحافظة الإدارية فيها.

وقد يعتقد كثيرون أن تسمية»جازان» حديثة ارتبطت بالمنطقة منذ توحيد المملكة العربية السعودية الحبيبة نتيجة ارتباطها بمسمى آخر من قبل كثر استخدامه منذ القرون الهجرية الأولى هو «المخلاف السليماني» والذي أُختلف في نسبة التسمية هل إلى سليمان بن طُرف الحكمي الذي وحّد بين مخلاف حكم ومخلاف عُثر وحكمها، أم إلى الأشراف السليمانيين الذين حكموها بعده عام 393هـ؛ لكن لا يعني تسميتها بذلك منذ أكثر من ألف عام أنها لم تكن معروفة بـ»جازان»، حيث توجد إشارات قديمة لمئات السنيين لهذه التسمية بحسب ما ذكره مقال المجلة العربية في عددها(3670) بأنه وردَ في النقوش المسندية الجنوبية حديث عن الضرائب على وادي جازان وخلب، وهناك نقش آخر بمحرم «بلقيس» في مأرب يعود تاريخه إلى عهد الملك الحميري»شمر يهرعش» يسجل فيه حملة ضد قبائل المنطقة آنذاك، وجاء ذكر»جازان» أيضاً لدى الشاعر الأموي أبو دهبل الجُمحي بالقرن الأول الهجري ذكره «معجم ما استجمع من أسماء البلاد والمواضع» حيث يقول الشاعر:

«سقى الله جازان ومن حل ولية / فكلّ مسيل من سهام وسردد «

أما المرويات الشعبية الأسطورية المتناقلة وليس عليها أي دليل بين أهالي «جازان» بأنه اسم مركب من كلمتين «جزاء جان» أطلق على الوادي الذي كان النبي سليمان بن داود عليهما السلام يعاقب ويحبس فيه الجن، ومع تقادم الزمن باتت كلمة واحدة «جازان».

ومن المعروف أن «جازان» أرض مُلهمة للشعر والعلم؛ فيكاد يكون الشعر فيها أسلوب حياة، لهذا نبع منها كثير من الشعراء والمبدعين؛ لكن أكثر الناس يحسبون المنطقة تتمثل فيما يرونه عبر الإعلام في محافظة «جيزان» الساحلية فحسب؛ ويجهلون أنها كنز سياحي بامتياز، فهي مليئة بالجبال الشاهقة، أشهرها جبال القَهر وفيفا والجبل الأسود و الريث وغيرها، كما أن بها سهولاً وأودية ذات جمالية خُرافية نحتتها الطبيعة كوادي لجب، ويمكن تقسيمها إلى ثلاث بيئات جغرافية رئيسة، بيئة تُهامية تتمثل في «جيزان» و «ضمد» و «صبيا» و «أبو عريش» و «أحد المسارحة» و «صامطة» و «الدرب»، وبيئة جبلية تتمثل في فيفا والدائر والريث والعارضة والحرث والعيدابي، فيما البيئة البحرية في أرخبيل «جُزر فَرسان» تقارب 100 جزيرة، أكبرها «فرسان» و «صير» و «السقيد» و «قماح»؛ وهي أكبر محمية فطرية للغزلان.

ولطالما عرفتُ «جازان» منذ كنتُ صغيرة، فهي مهد الأجداد وحكايات أبي -رحمه الله- ومحطة عبور لزيارات عمل أو إلى «جُزر فرسان». وقبل أسبوعين خلال زيارتي لها بدعوة مشكورة من هيئة السياحة ضمن برنامجها «تنفس» روح السعودية، حاولت التعريف بطبيعتها الخلابة عبر حسابي في السناب شات وتويتر؛ ولمستُ في الكثير من الرسائل الاستغراب من كونها وجهة سياحية فعلاً! والحقيقة أنها مصدر مهم للجذب السياحي داخلياً وخارجياً، لما تمتلكه من تنوع جغرافي ساحر ومقومات جذب يجب استثمارها؛ ففي «العارضة» تجدون «العيون الحارة» بمياهها الكبريتية، فيما جبال فيفا والدائر والريث والجبل الأسود ساحرة في غاباتها الخضراء المحلقة مع الغيم، أما سواحلها فقصة أخرى، إنها وجهة سياحية لهواة المغامرات والرياضات البحرية والجبلية ناهيكم عن ثرائها التاريخي بما فيها من آثار لحصون وقلاع تعود لمئات السنين.

وبصدق؛ فإن رؤية 2030 السعودية التي يقودها ولي العهد المُلهم لنا صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-ساهمت في إخراج كنوزنا الوطنية العظيمة التي ظلّت في دهاليز التهميش لعقود، في ظلّ قصور إعلامنا -مع الأسف الشديدـ فجازان ليست مجرد ثالث أهم ميناء سعودي وليست فقط سلة الغذاء لخصوبة أرضها، بل هي مصدر»النفط الأخضر» كما أسميها، ففيها تنتشر مزارع»البن»والفواكه والخضروات كـ»المنجا» و»الموز»؛ وهي «منجم سياحي» لاقتصادنا السعودي المتين، لتنوعها الجغرافي وثرائها التاريخي الثقافي الضارب في العمق الإنساني، وننتظر من جامعاتنا السعودية المعنية التوجه للتنقيب والدراسة فيها، ومن وزارة الثقافة البحث والكشف عنها، فالمنطقة بحاجة إلى الاكتشاف والدراسة العلمية التاريخية، خاصة أنها محطة للقوافل القديمة وخصوبتها جعلتها محلاً للاستيطان البشري منذ آلاف السنين، والكشف التاريخي فيها يزيد من رصيدنا الإنساني الحضاري الذي تتمتع به حبيبتنا «السعودية» ونضيف نتائجه إلى آثارنا العريقة الموجودة في «العُلا» و «كندة» و «الأخدود» و «قلعة مارد» وغيرها.

فيما الجهد الأكبر مطلوب من وزارة السياحة بأن تكون جادة في استقطاب رؤوس الأموال للاستثمار السياحي في المنطقة، وتعمل بجد واجتهاد مع وزارة النقل ووزارة الشؤون البلدية والقروية لتوفير الخدمات وتنمية المنطقة التي تُمكّن زوارها سياحياً من الاستمتاع بها وبطبيعتها الخلابة .

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store