داء إرضاء الرؤساء: قُل لمديرك لا..

· يكاد الإجماع أن ينعقد بين كل المهتمين بعلم النفس أن (داء إرضاء الآخرين) يعدّ من أسوأ الأمراض الاجتماعية التي يمكن أن يصاب بها إنسان أو فئة من مجتمع، وهذا أمر أتفق معه تماماً، لكنني قد أذهب الى أبعد من هذا عندما أقول إن داء (إرضاء الرؤساء) يعد مرضاً أكثر سوءاً، وأشد ضرراً، فإذا كانت خطورة الداء الأول تتوقف عند حدود آثاره الشخصية على المصاب، فإن الداء الثاني -وأعني إرضاء الرؤساء- يتعدى الى الإضرار بالآخرين وبالمنظمة ككل، بل وبالوطن ومصالحه العليا أحياناً.

·إرضاء الرؤساء مشكلة تعاني منها الكثير من المنظمات في مجتمعاتنا الشرقية، وهذا يعود لأسباب هيكلية وتنظيمية كثيرة وقديمة تضيق عنها مساحة المقال.. فاللاهثون خلف إرضاء الآخرين؛ وخصوصاً رضا رؤسائهم في العمل ليسوا مجرد أناس لطفاء يذهبون إلى أقصى حد من أجل ترضية الآخرين أو طاعة مدرائهم كما يدّعون، بل هم في الحقيقة إما متسلقون تحركهم رذيلة النفاق، أو أناسٌ مصابون بخلل نفسي يدفعهم الى تقديم أنفسهم وأوقاتهم ومصالحهم الشخصية كقرابين من أجل رضا موهوم لم يُطلب منهم أصلاً!.. فتجدهم يقولون «نعم» عندما يرغبون حقاً في قول «لا»!، ذلك لأن الرغبة الجامحة في نيل الرضا لديهم أشبه ما تكون بالإدمان اللذيذ الذي يشعرون معه بالأمان والراحة النفسية!.. فمخاوفهم وأطماعهم المرضية هي من تجبرهم على استخدام «اللطف المصطنع» والتضحية بالنفس وأحياناً بالكرامة لكسب رضا المدير معتقدين أنهم -بمعاملتهم المتنازلة- سيحصلون على التقدير، وهذا غير صحيح بالتأكيد.. صحيح أن البعض منهم ينجح في الوصول إلى ما يصبو إليه من حظوة، لكنه يظل حضوراً باهتاً منزوع الكرامة، ومنزوع التقدير لدى أقرانهم .

· تقدير الرؤساء في العمل من أهم واجبات الموظف، لكن الحصول على رضا المدير ليس له طريق سوى الانضباط وإتقان العمل والإخلاص فيه، أما التعود على إرضاء مديرك وإن على حساب أمانة ونزاهة ومصلحة العمل، أو على حساب نفسك فهو خيانة للأمانة ستصنع منك تابعاً لا قيمة ولا مبادئ ولا شخصية له، لا تفرِّط بكرامتك مهما كان الثمن، فلا شيء يعدل الكرامة.

· لا ترضخ لمشاعر الخوف من الخلاف مع أحد طالما كنت على حق، تعلّم مهارات الاعتداد بنفسك والاستقلالية عن الآخرين في قولك وعملك و تصرفاتك.. اقرأ حول مهارات التواصل مع الآخرين، وخصوصاً تلك الجوانب الخاصة بالحزم وكيفية اتخاذ القرارات القوية، تعلَّم كيف تقول»لا» عندما يُطلب منك طلبٌ لا تود تنفيذه، من خلال تجهيز البديل المناسب والمقنع، فالرفض ليس بالضرورة أن يكون بجفاء، وأخيراً اعلم -علَّمك الله الخير- أنه ما من شيء سيتغير في حياتك ما لم تغيره أنت بنفسك.