Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

إلى أين نفرُّ من قدر الله؟

A A
في ظل هذه الجائحة الكاسحة الماسحة، لابد من أن نتذكر موقف سيدنا عمر الفاروق من الوباء والحلول بأرضه. ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام حتى إذا كان بسَرْعٍ (إحدى مناطق الشام) لقيه أبو عبيدة وأصحابه فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام، فلما استشار عمر المهاجرين اختلفوا، فقال بعضهم بأن يُقدم عمر ولا يرجع، وقال بعضهم الآخر أن يرجع عنه حفاظاً على أرواح المسلمين، ثم دعا عمر الأنصار فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، ثم دعا مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر (أي شادٌّ الرحال)، فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة بن الجراح: أفرارٌ من قدر الله؟، فقال عمر قولته التي ذهبت مثلاً: (لو غيرك قالها يا أبا عبيدة.. نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كانت لك إبل فهبطت وادياً له عُدوتان، إحداهما خصبة والأخرى جَدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله. فلما جاء عبدالرحمن بن عوف قال إن عندي من هذا علماً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، واذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فراراً منه»، فحمد عمر بن الخطاب الله ثم انصرف.

هذا اختصار قصة فرار عمر رضي الله عنه من قدر الله إلى قدر الله حين علم أن الطاعون حلَّ بالشام، وإن استحضرناها في يوم الناس هذا لابد من أن نسأل أنفسنا: كورونا تنتشر في كل أصقاع الأرض دون أي استثناء، ولم تترك مدينة ولا قرية ولا غابة ولا بحيرة ولا جبلاً ولا سهلاً في الأرض إلا حلت فيه ضيفاً ثقيلاً، طالت الفقراء وقبلهم الأغنياء وفتكت بالرؤساء قبل المرؤوسين، ولم تفرق بين مرضى وأصحاء، ولا بين مسنين ويافعين، ولم يمنع حرُّ الصيف ولا قَرُّ الشتاء من الانتشار خلافاً لما قيل أو سيقال. وكما استحضرنا ما ألم بالمسلمين في عهد عمر، لابد من أن نستحضر قوله تعالى: (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت) وقوله تعالى (وضاقت عليهم أنفسُهم). فإذا فكرنا في مدلول هاتين الآيتين وما شابههما، أدركنا أننا نعيش في حالة ضيق الأرض علينا بما رحبت، حتى ضاقت علينا أنفسنا. ففي عهد عمر كان ممكناً أن يفر الناس من موطن الداء إلى أرض الله الواسعة، وما كان ممكناً وقتها انتشار الداء في كل اصقاع الأرض لصعوبة السفر وقلّته وبطئه، أما اليوم فقد أصبحت الكرة الأرضية كلها قرية صغيرة يتنقل فيها الناس كل يوم بسرعة فائقة ويمكن أن تُقطع من أقصاها إلى أقصاها في أقل من أربع وعشرين ساعة، لذلك انتشر كورونا فيها انتشار النار في الهشيم، وها هو يعاود هجماته في موجة جديدة تجتاح معظم دول العالم المتقدم قبل النامي.

إذا كيف نفر اليوم وإلى أين نفر اليوم من قدر الله؟، كل الدول مصابة وكلها موبوءة، وما ليس موبوءاً اليوم سيكون موبوءاً غداً. الجواب يتمثل في قوله تعالى: (ففِرُّوا إلى الله إني لكم منه نذير مبين). لقد فكر الناس جميعاً بأن يفروا من بلد إلى بلد آخر لتفادي الجائحة أو أن يتخذوا كل وسائل الحيطة والحذر وهذا مطلوب ولكنْ قليلٌ من فكروا بالفرار إلى الله بالتوبة والدعاء والطاعة والاستعانة والاستعاذة وإيكال الأمر إليه وإسناد الظهر اليه، و(ليس لها من دون الله كاشفة).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store