Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

في الجامعات: تعاون أجيال وليس صراع أجيال

A A
«صراع الأجيال» مفهوم انتشر في المجتمع انتشار النار في الهشيم، ومعناه أن الأجيال المتعاقبة تتصارع فيما بينها، بمعنى أن أبناء الجيل القديم لا يتيحون الفرصة لأبناء الجيل الجديد ليحلُّوا محلهم، بوضع كل أشكال العقبات أمامهم بحيث يبقى الشيوخ من أبناء الجيل القديم في مواضعهم ومراكزهم لأطول مدة ممكنة حتى لو كان ذلك إلى الوفاة. كما أن أبناء الجيل الجديد قد يسعون جاهدين لإزاحة مَن قبلهم ممن وهن العظم منهم واشتعلت رؤوسهم شيباً، ليأخذ الشباب أماكنهم ويشغلوا مراكزهم. ومفهوم صراع الأجيال قد يصح وينطبق على كثير من المواقع والإدارات والشركات الحكومية والأهلية، ولكنه نادر الحدوث في الجامعات والمؤسسات التعليمية عموماً، لأن الأجيال الجديدة من الأساتذة تكون في الغالب والأعم من تلاميذ الأجيال القديمة، وفي الجامعات خصوصاً نجد أن الابن يخلف أباه، فكل تليمذ مهما علا شأنه في الجامعة يظل يحتفظ بمشاعر الود والتقدير والإجلال لأساتذته الذين قد يكونون باقين في قسمه بعد حصوله على الدكتوراه، ويأتي ليزاملهم، وقد يصبح رئيساً لهم، وهو أمر كثير الحدوث في الجامعات السعودية، وكما يُجل التلاميذ أساتذتهم في الجامعات، فإن الأساتذة يبقون على حبهم لأبنائهم وعطفهم عليهم وتقديمهم لكل عون يحتاجونه، وأهم ذلك العون والمشورة والنصيحة الصادقة إضافة إلى مدهم بما منَّ الله عليهم من العلم والمعرفة والتجربة التي اكتسبوها في عشرات السنين. لذا فإن «صراع الأجيال» يصبح في الجامعات «تعاون الأجيال»، وهذا ما ألمسه شخصياً ويلمسه أبناء جيلي من أساتذة الجامعات السعودية ممن ناهزوا الستين أو بلغوها أو تجاوزوها، ووصلت خدمتهم في الجامعات إلى أربعين عاماً أو يقل أو يزيد قليلاً. فمن نعم الله علينا أن مد في أعمارنا حتى رأينا أبناءنا ممن درسوا علينا وهم يلتفون حولنا في مجالس الأقسام، وكل منهم يتبوأ مركزاً مرموقاً في الجامعة ما بين عميد ووكيل ورئيس قسم، وكثير منهم ولله الحمد ترقوا إلى درجة أستاذ مشارك، وبعضهم إلى درجة أستاذ. وينطبق ذلك على الجنسين، فكثير من بناتنا الطالبات، حصلن على درجة الدكتوراة ويتبوأن اليوم مناصب ومراكز رفيعة في شطر الطالبات إضافة إلى التدريس. وأقولها صادقاً: إن ما قدمناه وما نزال نقدّمه لأبناء العلم وبناته، أكثر مما قدمناه ونقدمه لأبناء النسب وبناته. فأبناء النسب وبناته ينالون منا عصارة قلوبنا وشيئاً من عصارة عقولنا، أما أبناء العلم وبناته فينالون منا عصارة قلوبنا وعصارة عقولنا معاً. فنحن لا نبخل عليهم بالنصح والتوجيه في حياتهم الدراسية وفي حياتهم العامة. فكثيراً ما يلجأ تلميذ إلى أستاذه ليستشيره في أمر اجتماعي أو عائلي، وهو يشعر بارتياح تام قد لا يشعر به وهو يتحدث في الأمر نفسه مع أقرب الناس إليه من أسرته. ولا يضنّ الأستاذ على تلميذه بالنصح والتوجيه، وكثيراً ما يأخذ التلميذ بذلك النصح والتوجيه ويعمل بهما. ويستشير التلميذ أستاذه كذلك في شؤون مسيرته الدراسية في مواده وأبحاثه وتخصصه ورسالته العلمية كذلك، ويجد مبتغاه لدى أستاذه، وكثيراً ما تكون نصيحة ما أو توجيه ما مفتاح النجاح للتلميذ وخارطة طريق له في حياته كلها تحقق له الفوز والنجاح والتألق. ونحمد الله تعالى أن رأينا الكثير من أبنائنا من طلاب الجامعة وقد أخذوا بنصائحنا وتوجيهاتنا الصادقة المخلصة ووصلوا إلى مراتب عليا داخل الجامعة وخارجها. ولكم يشعر الواحد منا بالفرح والفخر والاعتزاز حين يقابل ابناً له في محفل رسمي أو مناسبة اجتماعية أو في قارعة الطريق فيخفُّ التلميذ إلى أستاذه ليقبِّل رأسه أمام الناس ويتفوَّه بعبارات حلوة رقيقة تدل على الوفاء والعرفان: أهلاً بشيخي، أهلاً بأستاذي إلخ.
وهذا الشرف الذي خصنا الله به نحن المشتغلين بالعلم والتعليم لا يوازيه شرف في هذه الحياة الدنيا ولا يعدله أي جاه أو منصب أو مال. كيف لا ونحن محاطون بمن هو: وزير سابق أو مدير سابق أو رئيس سابق ولكن ليس هنالك: أستاذ سابق أو شيخ سابق. أقول مجدداً إنه «تعاون أجيال» بالنسبة لنا نحن أساتذة الجامعات.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store