Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

مصفــّـــــــر

A A
المقصود هنا هو إعادة الوضع إلى البداية.. نقطة الصفر. ولأول وهلة يبدو أن التصفير هو من العمليات السهلة وخصوصاً في عصرنا الرقمي الذي يعتمد إلى حد كبير على رقمين أساسيين وهما الصفر والواحد. والسبب طبعاً يعود إلى سهولة ترجمة ذلك إلى حالتين فقط «لا..نعم»، «شغل..طفي»، «روح.. تعال»، «حبيتك.. مو طايقك»، «مرحبا..مع السلامة»، وهكذا. ولكن الموضوع طبعاً هو أكبر من ذلك بكثير في العالم الرقمي. وقد كتبت عن الرقم 1 مسبقاً، وإليكم بعضاً من طرائف الصفر: لغوياً نجد كلمة «سايفر» اللاتينية المشتقة من كلمة صفر التي تُذكر العالم بمصدره من الشرق..، وقد طور اللفظ ليصبح «شيفّر» بالفرنسية ليولد مصطلح «شفرة» و»زيفر» ليولد كلمة «زيرو». ولكن هناك ما هو أهم من ذلك، فالصفر هو أحد أغرب الأرقام، إن لم يكن أغربها على الإطلاق، ومع ذلك لا نعطيه أهميته. فضلاً لاحظ موقع الصفر على العديد من لوحات المفاتيح وستجد أنه يوضع بعد التسعة وكأنه إضافة متأخرة، مع أنه مفروض أن يوضع قبل جميع الأرقام. وهناك المزيد، فالتقاويم لا تحترم الصفر، فلا توجد سنة صفر للبداية..، نبدأ العد بالرقم 1..، ولكن هناك في العد التنازلي لا نتوقف عند الرقم 1، وإنما عند الصفر. وربما تنبع قسوتنا على الصفر من قسوته في التعامل مع الأرقام: فضلا لاحظ ما يفعل عند عمليتي الضرب والقسمة فهو كأقوى المتفجرات..، في الضرب ينسف الأرقام سواء كانت كبيرة أو صغيرة لتصبح أصفاراً مهما ارتفع شأنها..، وأما في القسمة فيخرب الصفر قواعد الرياضيات بأكملها فتمنع القسمة عليه. وأذكر في مطلع التسعينيات أن إحدى أكبر وأقوى وأحدث المدمرات الأمريكية الحديثة تعطلت تماماً عندما تعرضت لهجوم من الصفر..، كان هناك خطأ في نظامها الرقمي التشغيلي..، وباختصار، فكانت اللخبطة في البرمجة التي وصلت بها اللقافة للقسمة على الصفر أثناء إبحار المدمرة..، توقفت تماماً وكانت حادثة «صفرية» محرجة. ولكن الصفر تسبب في أكثر من الإحراج عبر التاريخ فكان من علامات الكفر والهرقطة في أوربا. الموضوع باختصار أنه عندما تم محاولة نقل فكرة الصفر من الشرق إلى أوربا في العصور الوسطي تسبب في معضلة فلسفية كبرى واجهت الكنيسة الكاثوليكية، وكان التحدي يتلخص في المبدأ البسيط التالي من وجهة نظر الكنيسة: الصفر والخلق لا يتفقان. وتسبب ذلك التضارب الفكري في رفض الصفر كرقم وكفكرة. وتغير ذلك ببطء شديد ليصبح التعامل مع الصفر من أسباب صحوة علمية عظيمة. في أوربا تبلورت قوته في اختراع علم التفاضل والتكامل في الرياضيات في إنجلترا من قبل إسحق نيوتن، وفي ألمانيا من «ليبنيتز». وجاءت بعدها مجموعة من أفكار الأصفار الشهيرة وفي مقدمتها درجة الصفر المطلق في الفيزياء وغيرها.

أمنيــــــة

بدأت شخصياً خلال هذا الشهر رحلة التقاعد بشغف، وكنت أتطلع لها منذ فترة وخصوصاً أنها تتطلب تصفير العداد كما يقولون لتحديد أولويات جديدة. أتمنى أن يتقن العالم فنون التصفير في العديد من المحاور، وخصوصاً عند انتهاء هذه الجائحة العجيبة بإرادة الله

وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store