Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

سقوط الديمقراطية

A A
حتى كتابة هذه السطور لم يسلِّم الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته بنتائج الانتخابات الأمريكية المعلنة وبأن منافسه جوزيف بايدن قد فاز فيها لصالح الحزب الديمقراطي بفارق ذي بال، ومازالت اتهامات ترامب للفريق المنافس له بالتزوير و (سرقة الانتخابات) كما سماها تتوالى. ولم يتوانَ عن وصف خصومه باللصوص صراحة، بل إن معاونيه باشروا عملية عرقلة البدء في إجراءات نقل السلطة الى بايدن كما بثَّت معظم الفضائيات الأمريكية والعربية، وليت الأمر توقَّف عند هذا الحد، بل وصل الأمر الى عزل بعض كبار المسؤولين في ادارة ترامب، وتعيين آخرين، وفي الشهرين المتبقيين يمكن حدوث أمور غير متوقعة قبل استلام الرئيس الجديد لمهامه في 20 يناير 2021م، تضع أمامه الكثير من المعضلات والمشكلات. حتى أن بعض المحللين أكدوا أن ترامب لن يتوقف عن انتقاده لمنافسه حتى لو سلمه السلطة من خلال قنوات إعلامية قد يؤسسها بتمويل منه لتهاجم الرئيس الجديد وتركز على هنَّاته وسقطاته. ذلك بعض ما يحدث اليوم في أمريكا من انقسامات حادة غير مسبوقة تشي بانهيار (قلعة الديموقراطية) الأكبر والأكثر صموداً في العالم التي تعود الى مئات السنين، قبل أن يسمع العالم كله عن شيء اسمه الديمقراطية، وخلاف ما كان يحدث خلال الانتخابات في مئات السنين هذه من تسليم بالنتائج وتهنئة الرئيس الفائز وتسليم السلطة بسلاسة وأريحية، يبدو أن ذلك كله لن يحدث هذه المرة بالوتيرة نفسها، فبدل التهاني تنهال الشتائم، وبدل التسليم تتبدى الاتهامات بشكل لم تشهده الدول الأكثر تخلفاً، حين يشكك المرشح المهزوم فيها في نزاهة الاقتراع، وأقل ما يمكن أن يقول: إن الانتخابات زُوِّرت وحصل فيها التدليس، وكثر ما يحدث هذا في انتخابات الدول الأفريقية أو دول أمريكا الجنوبية، أما أن يحدث في أمريكا فذلك لعَمْري العجب العجاب، ولاول مرة نسمع عن الانقسامات الحادة داخل أمريكا واحتمالات حدوث فوضى عارمة، وإمكانية أن تحدق بالبلاد أخطار جسيمة نتيجة عدم تسليم الملفات السرية الخطيرة بسرعة، ويذهب بعض المحللين إلى أن أحداث 11 سبتمبر كان سببها تأخير المعلومات الاستخباراتية في عهد كلينتون. فتعطُّل انتقال السلطة في البنتاغون قد يعرِّض أمريكا لأي طاريء دون وجود جهة مسؤولة تملك القدرة على اتخاذ القرار. وإن فكَّرنا قليلاً في أوضاع الانتخابات في أمريكا، وأبناء جيلي عايشوها لخمسين عاماً على الأقل، وبعضهم -وأنا منهم- عاشها داخل أمريكا نفسها لسنوات، لابد من أن نشبّه الحزبين الحاكمين دوماً بأسرتين حاكمتين تتنازعان السلطة دائماً ولا يجوز أن يشاركها فيها أحد، فأنا لا أذكر أن مرشحاً مستقلاً أو أحداً من حزب صغير فاز في الانتخابات. وليس أمام الناخب الأمريكي إلا أن يختار بين الجمهوريين والديموقراطيين، وهذا ليس قاصراً على أمريكا بل ينصرف الى دول أخرى عريقة في الديمقراطية مثل بريطانيا التي لا يفوز فيها إلَّا عضوٌ في حزب العمال أو المحافظين بمنصب رئيس الوزراء. فأي ديمقراطية هذه؟. وظاهرة أخرى بتنا نراها في الديمقراطيات المزعومة في العقود القليلة الماضية هي بقاء الشخوص أنفسهم الى الأبد، بمعنى أن يصبح رئيس الوزراء رئيساً للجمهورية، ورئيس الجمهورية رئيساً للوزراء وهكذا. ولا تتغير الأسماء ولا الوجوه أبداً ويبقى الرئيس رئيساً على مدى الدهر، تماماً كما لو كان ملكاً أو أميراً أو إمبراطوراً، ما يعني أن الأنظمة الملكية أكثر مصداقية واستقراراً ووضوحاً كما تدل عليه كل الأحداث العالمية. ومن أمثلة الرؤساء الذين لا يتغيرون أبداً بل يبدلون مناصبهم فقط: الرئيس الروسي بوتين والرئيس التركي: أردوغان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي: نتنياهو وسواهم، ثم يعيبون ذلك على الرؤساء العرب.
لقد سقطت الديمقراطية المزعومة دون أي شك، والأيام القادمة حُبلى بالأحداث المضحكات المبكيات، ويأتيك بالأخبار من لم تزوِّدِ.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store