Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالعزيز معتوق حسنين

تأنيث الطب قبل قرنين

A A
بحكم أنني أبو البنات ذكرني هذا بالطبيبة إليزابيث بلاكويل أول امرأة أنثت الطب.. عام 1813م تلقت كليات الطب في أمريكا طلبًا للالتحاق بها من فتاة ترغب في أن تتعلم الطب لتصبح أول طبيبة في العالم.. واستولت الدهشة على عمداء هذه الكليات وردوا على صاحبة الطلب الجريئة بأنه ليس في وسعهم قبول طلبها لأنه بلا سابقة.. وشددوا على المحاذير من جراء رؤية فتاة تتعلم أشياء عن طبيعة الجسم البشري ووظائف أعضائه.. ورأى الكثيرون أن الطب مهنة خاصة بالرجال ولا دخل للنساء فيها.. هكذا كان المفهوم العام في أمريكا قبل أكثر من قرنين من الزمن تقريبًا.

كانت اليزابيث مجتهدة ومغمورة.. وكانت لدى عودتها من عملها كل مساء تنكب على كتب الطب والتشريح التي كانت تبتاعها بما تدخره من مرتبها الضئيل.. وغايتها من ذلك دراسة الطب.. وكادت أن تيأس لهذا الرفض وأيقنت أن حلمها سينهار.. ولكنها ذات يوم تلقت من كلية أمريكية للطب كتابًا أبكاها من شدة الفرح فلقد جاء فيه أن عميد الكلية رأى أنه ليس ثمة سبب مشروع يحول دون السماح لفتاة دخول كلية الطب لدراسة هذا العلم.

وكانت الشهور الأولى في كلية الطب عبئًا ثقيلاً على كاهل اليزابث بحكم أنها الأنثى الوحيدة، ولكنها أنتصرت على كل العقبات..

اليزابيث بلاكويل فتاة أمريكية ومثالا على تأكيد الذات مع العزم والحزم والمثابرة فعلينا أن نتوقع كم من المعاناة التي عانته الطالبة (اليزابيث) وبالذات مع زملائها من الطلبة الذكور، ولك أن تتخيل كمية المشاعر المختلفة مع هؤلاء الطلبة وأساتذتها الذكور فمن مبغض لها مشمئز من تقمصها لمهنة من مهن الرجال آنذاك إلى غيور حاسد على اصرارها لتكون طبيبة.. كان هذا قبل أكثر من قرنين..

الجدير بالذكر أن إليزابيث كانت بريطانية الولادة والأصل.. تخرجت عام 1819م وكانت الأولى على فصلها لتصبح أول طبيبة في عالم الطب الحديث.. عادت إليزابيث إلى بلدها بريطانيا للعمل في أول كلية طب للبنات عام 1822م وسميت الرويال فري هوسبتل في شارع اسمه "هنتر ستريت".. وبعدها أصبحت جزءًا لا يتجزأ من جامعة لندن وفتحت أبوابها للرجال ففيها درست الطب وتخرجت منها.. والظريف في هذا أنني في عيد الأضحى عام 1437هـ رافقت ابنتي وحفيدتي جودي إلى لندن لأسجل حفيدتي في جامعتها في لندن.. أثناء رحلتي هذه زرت مستشفى الرويال فري ورأيت لوحة من الرخام على مدخل المستشفى منحوت عليها هذه الذكرى: "الدكتورة إليزابيث بلاكويل هنا عاشت وعملت وماتت وهي أول إمرأة طبيبة تسجل في سجل الأطباء في بريطانيا".. من هذه الكلية محسوبكم تعلم الكثير عن مهنة الطب مما يوجد ولا يوجد في الكتب.

الملك عبدالله (يرحمه الله) أخرجنا من ذلك العصر وأدخلنا للقرن الواحد والعشرين.. كيف لا والأنثى هي أول مدرسة لكل منا في بيوتنا.. هي أمنا.

يرحمك الله يا "أبا متعب" وخير خلف لخير سلف في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين أطال الله في عمرهما وأبقاهما ذخرًا وأمنًا وأمانًا لنا جميعًا..

هكذا تأنث الطب قبل قرنين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store