Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

التأمين الصحي للمتقاعدين

A A
كتبت قبل سنتين أو يزيد عما شهدتُه في بريطانيا تحديداً من إعفاء المسنين ممن بلغوا الستين أو تجاوزوها من ثمن الدواء مهما غلا، وعرفت ذلك قدَراً حين صرفت دواء وصفه لي طبيب في مستوصف حكومي بريطاني، وكنت وقتها زائراً لابنتي المبتعثة في مدينة لستر، بمعنى أني لم أكن مقيماً. وحين سألت الصيدلي عن ثمن الدواء، فاجأني بالقول: إن النظام في بريطانيا يقضي بصرف الدواء دون مقابل لمن تجاوزوا الستين أو مَن هم دون الثامنة عشرة، وعلمت لاحقاً أن ذلك يشمل البريطانيين والمقيمين بل والزوار، وأضيف أن المستوصف الذي عولجت فيه لم يسأني أحد من العاملين فيه عن هويتي أو يطلب جواز سفري، بل اكتفى بمعرفة الاسم والسن والعنوان. وفي مقالتي التي أشرت إليها، تمنيت لو كان لدينا أمر كهذا مراعاة للمسنين والمسنات ومعظمهم من المتقاعدين. كما كتب أخي وزميلي الدكتور عبدالعزيز النهاري رحمه الله مقالة مشابهة في جريدة عكاظ وقتها حين تعرَّض للموقف ذاته في بريطانيا، وطالب بعين ما طالبتُ به. ومن عجب أن بعض من يهرفون بما لا يعرفون فَهِمَ المقالتين على أنهما انتقاص من النظام الصحي في المملكة، وعلَّقوا بأن العلاج متوفر بالمجان للجميع، وبالطبع لم يكن القصد الانتقاص من نظامنا الصحي الجيد جداً، ولكنَّ المُسن يضطر في كثير من الأحيان لزيارة العيادات الخاصة لأمر عارض، لأن مواعيدها قريبة جداً وحالته قد لا تتحمل الانتظار الطويل، ويدفع في ذلك مبالغَ طائلة، وللعلم فإن كشفية بعض الأطباء اليوم تصل الى ثمانمائة ريال إلى ألف ريال، ناهيك عن العلاجات التي تكلف مئات أو آلاف الريالات. وأقول وبالله التوفيق إن تعذر أن يكون العلاج على حساب الدولة للمسنين، فلا أقل من توفير تأمين صحي لهم على نفقة الدولة، يكفيهم مؤونة الانتظار الطويل في المستشفيات الحكومية، لأسباب إنسانية بحتة كتبتُ عنها وكتب غيري مراراً وتكراراً. ومنها أن كثيراً من رواتب التقاعد ضئيل للغاية ولا يسد رمق المتقاعد الذي تزداد احتياجاته مع كبر سِنِّه، وفي مقدمتها العلاج الذي قد يستنزف كل دخله، ناهيك عن احتياج كثير من المتقاعدين الى خادمات أو سائقين لضعف قدرتهم على الحركة، ناهيك أيضاً عن أن راتب المتقاعد ثابت حتى وفاته لا يزيد فلساً واحداً مهما زادت تكاليف المعيشة، ومعلوم أن بدل غلاء المعيشة الذي توقف الآن كان خمسمائة ريال للمتقاعد، وهو أكثر حاجة من الموظف على رأس العمل الذي كان يصرف له ألف ريال. وفئة المتقاعدين هذه تُعامل معاملة خاصة في كل دول العالم الغنية والفقيرة على حد سواء في مخصصاتها المالية والخدمات المجانية أو المخفضة وتوفير سكن خاص بها في بعض الدول. فالمطلوب هو توفير تأمين صحي شامل لمن تجاوزوا الستين وهو أضعف الإيمان، والأضعف منه أن تُلزَم شركات التأمين التي تصل أرباحها الى مئات الملايين، بتوفير تأمين صحي للمسنين بسعر متدنٍ كما يحدث في كثير من دول العالم، وما يحدث الآن أن هذه الشركات تُضاعِف التكاليف على المسنين لأنهم يحتاجون لعلاج مستمر بطبيعة الحال. وبعض الشركات ترفض التأمين لمن تجاوزوا الستين مطلقاً. وقد لاحت بارقة أمل في الأفق، إذ وافق مجلس الشورى خلال جلسته السادسة في الأسبوع الماضي على قيام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بدراسة بدائل مختلفة لتيسير حصول المتقاعدين على تأمين صحي. وتلك بادرة لاشك مبشرة ولكنها تحتاج الى وقت لتنفيذها. ويبقى الأمل معقوداً في اتخاذ قرارات تنفيذية سريعة لتوفير التأمين الصحي للمتقاعدين.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store