Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

التعليم عن بعد..!

A A
لا أحد ينكر أهمية وضرورة قرار التعليم عن بعد الذي اتخذته القيادة الرشيدة كحل مؤقت ينتهي بانتهاء الظرف القهري الذي أوجده!.

لكن يدهشني من يبشر بمستقبل تجربة التعليم عن بعد المشرق، لأنه ربما لم يعرف، ولم يتعرف على المعاناة التي يواجهها الجميع، المعلم/ة، والطالب/ة وولي الأمر، وأعني به في الغالب الأمهات!، الجميع تحت ضغط نفسي يصعب تحديد قوته من خلال تصور أو مشاهدة جزئية لا تعطي صورة حقيقية عما يحدث تحت وطأة الدوام المدرسي من المنزل، وأمام شاشات أجهزة الكمبيوتر.

الأسر الملتزمة والمهتمة والتي لديها طلبة في أكثر من مرحلة دراسية، تنهك فيها الأمهات من الصباح إلى المساء

لكن الأسر التي لا تعطي أهمية للتعليم عن بعد أو عن قرب فتلك ربما ليست لديها مشكلة، فهي تمارس حياتها بشكل طبيعي، وتثبت حضور أبنائها من خلال فتح هاتف الأب أو الأم والتحرك به في المولات والمطاعم بين الصغار لا يصغون ولا يدركون ما يحدث، رأيت نماذج كهذه في المولات، كنت مرة في المصعد رافقنا أب شاب معه طفلتان، والهاتف بيده مفتوح على الدرس، صوت المعلمة واضح بينما الصغيرات لا يصغين إليها كان الهدف إثبات الحضور فقط، لأنه بعد خروجه من المصعد كان يسير في المقدمة والصغيرتان خلفه والهاتف في يده.

الخروج اليومي للطلبة والطالبات والمعلمات والتجمع في المدرسة يمثل متعة نفسية وذهنية وجسدية، فالمدرسة ليست فقط لتلقي العلم بل لتعلم المشاركة، وبناء علاقات صداقة، وتبادل أفكار وهموم يحملها الصغير في صدره، وربما يجد في تقاسمها مع زميله في الفصل أو زملائه تسلية لقلبه وتفريجاً لهمه. مهما كان ما يهمه لا يشكل هماً كما يبدو في نظر الكبار إلا أن الصغير يثقله هذا الهم مهما كان بسيطاً كرغبته في الخروج مثلاً أو مشاهدة التلفزيون أو طلب طعام من الخارج ومنع من ممارسة هذه الرغبات الطفولية إلا أنها تصبح هماً حقيقياً تثقل قلب الصغير، لذلك يجد سلوته في صحبة المدرسة.

كذلك المعلم/ة، بالرغم من ثقل الدوام اليومي، إلا أن الخروج والالتقاء بالزملاء والأصدقاء في المدرسة والتعامل مع الطلبة تنشيط للعقل والقلب والجسد والروح!.

أما أولياء الأمور وليعذرني الآباء، لأني أجد مسؤولية المتابعة والاهتمام بانتظام الأبناء والبنات -في الأعم الغالب- يقع على كاهل الأم، التي هي أيضاً ربما تكون لديها مسؤوليات عملها فتقع بين همَّين، كل منهما يمثل عبئاً نفسيا بشكل خاص، لأنها تركض من الصباح إلى المساء في كل اتجاه.

للمبشرين بمستقبل باهر للتعليم عن بعد، أقول عليهم دراسة هذه التجربة التي اضطرتنا إليها ظروف جائحة كوفيد19، فالصحة والسلامة أهم ما يملكه الانسان، ومن أجل صحة وسلامة المجتمع بكامله كان لزاماً على الجميع تقبل هذا الحل المنطقي لأنه ساهم في استمرار العملية التعليمية، وفي نفس الوقت ساهم في حماية المجتمع من انتشار العدوى بشكل كبير والانهيار الصحي كما حدث في أكبر الدول وأكثرها تقدماً.

التعليم عن بعد حتى حين، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، أي حتى تنكشف هذه الغمة وتعود الحياة للمدارس وتعود البسمة لوجوه الطلبة والطالبات والأمهات، على رأي»هم وانزاح»!

هذه الشاشة تقوم بمهمة واحدة فقط وليست كاملة وهي التعليم لكن المهام الأخرى التي تقوم بها المدرسة كلها اختزلت في شاشة الحاسوب فقط.

هل تكتفي بمشاهدة البحر من خلال فيديو بالصوت والصورة والألوان الطبيعية، أم تمارس الجلوس على شاطئ البحر، ورؤية امتداده اللامتناهي، وزرقته وأمواجه وارتطامها على صخور الشاطئ واستقبال نسماته المعبأة باليود بصدر مفتوح؟!!.

في رأيي أن التعليم عن بعد يشبه مشاهدة البحر من خلال شاشة هاتف حاسوب تلفزيون، أما التعليم في المدرسة، فهو الجلوس على شاطئ البحر بكل تلك المؤثرات الحسية والنفسية والبدنية والذهنية، فهل يستويان مثلاً؟!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store