Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

زمن ماكرون

A A
سُتَر صفراء، ينتفض مرتدوها بين الفينة والفينة، ولا تكاد تهدأ شوارع باريس من فوضاهم وشغبهم ورعونتهم، حتى تعود لتصطلي بنارهم من جديد، ولا يعلم أحد ما يريدون أو ماهي مطالبهم، فهم ليسوا راضين عن أي شيء في فرنسا، يشكون من البطالة والفقر والتضخم ومصادرة الحقوق وهلم جرّا، في دولة تزعم أنها من أوائل الدول المنادية بالديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، وكل ذلك لا أساس له على أرض الواقع. وأضيف إلى تظاهرات الستر الصفراء مؤخراً تظاهرات في كل أنحاء فرنسا بلغ عدد المشاركين فيها مئات الآلاف، وهو عدد لم نشهده في الدول العربية التي عاشت بَلبَال (الربيع العربي) كما يسمى مع أن الإعلام العربي وصفها بالتظاهرات المليونية. ويصعب تصديق هذه الأعداد المهولة من المتظاهرين في دولة مثل فرنسا، لولا أن وسائل الإعلام الفرنسية نفسها أكدت على صحة هذه الأعداد ومنها قناة ( France 24) الشهيرة عالمياً والمعروفة بالمصداقية كما أعلنت هذه القناة وسواها عن المطلب الأول لهذه الحشود الهائلة: إبطال قانون (الأمن الشامل) الذي يجرم ويحرم تصوير رجال الشرطة وإبراز وجوههم خاصة خلال تأديتهم لعملهم مهما توحشوا أو اعتدوا أو ضربوا أو فتكوا بالناس بحق أو بغير حق، في تحد صارخ لمبدأ حرية التعبير الذي نصَّب ماكرون نفسه حارساً أميناً عليه ونادى بنشر الصور المسيئة أو المتطاولة على نبي الإسلام سيد الخلق صلى الله عليه وسلم جهاراً نهاراً، وأمر ببث هذه الصور على مبنى حكومي فرنسي في إشارة إلى أن هذه الإساءة تمثل السياسة الرسمية لفرنسا في كره الإسلام والمسلمين واضطهادهم دون أي خجل أو حياء. فإن كانت الإساءة للإسلام فهي حرية تعبير، وإن كان تصويراً للشرطة فهي جريمة يعاقب عليها القانون، وكان أن قيض الله من يصور حادثة اعتداء الشرطة على رجل أسود مهم بالضرب والركل وتوجيه الإهانات السافرة ونعته بالأسود القذر. وكانت حادثة هزت العالم وعصفت بماكرون ونظامه المتسلط. ورغم أن العالم كله يدين التطرف ويتصدى له، والتطرف ظاهرة عند المسلمين وغيرهم، إلا أن ماكرون أثبت أنه لا يملك أي رويّة أو أناة أو حسن تصرف حين شدد الرقابة وضيق الخناق على المسلمين عامة في بلاده واستصدر قوانين تمس حقوقهم المدنية وتجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة. كما انتهكت قواته حرمات المساجد الإسلامية كيفما اتفق وعبثت بأكثر من ثمانين مسجداً في فرنسا وأغلقت بعضاً منها تعسفياً. ولا تزال هذه القوات ماضية في مضايقة المسلمين كما لم يحدث من قبل في تاريخ الجمهورية الخامسة. وكأن ماكرون لا يدرك أنه يستعدي أكثر من عُشر السكان في فرنسا، وجلُّهم ليسوا من المتطرفين ولهم ولاء وانتماء لمبادئ الجمهورية، ولا يخلطون بين هذا الولاء وبين إيمانهم وعقيدتهم والعمل بمبادئ الاسلام الحقيقية السمحة. ورأى ماكرون بنفسه نتيجة استعداء الأقليات في أمريكا وهي سقوط الرئيس ترامب المدوي، وما اتعظ بغيره كما يفعل العقلاء. ناسياً أو غافلاً عن أن معظم المسلمين في فرنسا أصحاب مؤهلات عالية ويقدمون خدمات جليلة للمجتمع الفرنسي، إضافة إلى الطبقة العاملة التي تمتهن مهناً صعبة قاسية.
ذلك زمن ماكرون الذي جعل من فرنسا دولة الفوضى والاضطراب وجرَّدها من كل مبادئها المزعومة، وعاد بها إلى زمن وعهد ما قبل الثورة الفرنسية سَمتُه التسلط والظلم والاستبداد وهو ما لم يقبله الشعب الفرنسي الحر قديماً وسيغيره حديثاً.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store