Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

السعودية والبحرين.. تقارب وتناغم ومصير مشترك

A A
كشفت الكلمات الصادقة التي أدلى بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في ختام أعمال الاجتماع الأول لمجلس التنسيق السعودي البحريني خلال الأيام الماضية عن عمق الروابط التي تجمع بين البلدين الشقيقين، ومقدار التواصل والمحبة الذي يربط بين شعبيهما، حيث أكد على العلاقات المتينة والعميقة الممتدة لسنين طويلة، والتنسيق المستمر بين القيادتين لمواجهة التحديات التي تواجه المنطقة والتطابق الكبير في المواقف السياسية.

الاجتماع الذي عقد افتراضياً برئاسة وليي عهد البلدين، الأمير محمد بن سلمان والأمير سلمان بن حمد آل خليفة كان ترجمة لأشواق عديدة ظلت تعتمل في نفوس أبناء الشعبين الشقيقين اللذين يرتبطان بعلاقات فريدة قل أن توجد بين سواهما، عطفا على حسن الجوار والمصاهرة ووشائج القربى والمصير المشترك، وهذه العلاقات ليست وليدة اليوم بل ترجع إلى ماضٍ عريق.

والمتابع للسياسة السعودية والبحرينية يلحظ بوضوح التناغم الكبير الذي يكاد يصل مرحلة التطابق، وهو ناتج عن الرؤية الواحدة لأحداث المنطقة والعالم، لأنها تنبع من نفس المصدر المتمثل في التمسك بعلاقات حسن الجوار والرغبة في تحقيق الوحدة الخليجية والعربية والحرص على مصالح الأمة، وفي نفس الوقت رفض التدخلات السالبة التي يقوم بها نظام الملالي في إيران لتعكير صفو الأمن وافتعال الأزمات.

هذا التناسق الكبير بين مواقف البلدين يستمد قوته من أنهما يتشاركان العضوية في مجلس التعاون الخليجي، والجامعة العربية، والأمم المتحدة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، والتحالف الدولي ضد تنظيم «داعش»، والتحالف العسكري الإسلامي، مما يمثل ثقلاً دبلوماسياً مقدراً.

وظلت القيادة السعودية -منذ توحيد المملكة على يد الملك المؤسس المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز آل سعود- حريصة على تعزيز علاقتها بمملكة البحرين ورفض أي محاولات لإلحاق الأذى بها، وهو ما تجلى في الموقف القوي الذي اتخذته الرياض في مارس 2011 عندما سارعت بإرسال قوات درع الجزيرة لمساعدة المنامة في التصدي للمخطط الشرير الذي كان يستهدف سيادتها ويرمي إلى تهيئة الأجواء للتدخل الأجنبي فيها، عبر مظاهرات مفتعلة وقف وراءها النظام الإيراني وعملاؤه الطائفيون الذين لم يتورعوا في تحدي سلطة الدولة ومحاولة الخروج عليها. وقد أسهمت قوات درع الجزيرة في وأد المخطط الإيراني في مهده.

ويعود تاريخ التعاون الاقتصادي بين البلدين إلى سنوات طويلة، حيث تعد السعودية الشريك التجاري الأول للبحرين، وبالرجوع سريعاً إلى الوراء نجد أن اقتصاد البحرين كان يعتمد على صيد اللؤلؤ الذي يعرض للبيع في الأسواق السعودية، فيما كانت الرياض تقوم بتصدير التمور والماشية والصناعات اليدوية للمنامة، فيما ظل كلا البلدين يمثل عمقاً تجارياً للآخر وامتداداً له. كما شهد شهر نوفمبر عام 1986 نقلة نوعية في تاريخ علاقات البلدين، حيث تم افتتاح جسر الملك فهد لتسريع التجارة بين البلدين، الذي يبلغ طوله نحو 25 كيلو مترا وبعرض 23.2 متراً. وهو ما أسهم في زيادة التقارب والروابط بينهما.

ومع تطور حركة الاقتصاد في العالم، وما استلزمه ذلك من استحداث آليات عصرية تسهم في زيادة التبادل التجاري وتفعيل أدوات الاستثمار، ولتفعيل التقارب القائم منذ أمد طويل بين المملكتين، تم في الثامن والعشرين من يوليو 2019 الإعلان عن تأسيس مجلس التنسيق السعودي البحريني، لتطوير أوجه التعاون في كل من المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية والاستثمارية والاجتماعية والحيوية بين البلدين، واستحداث أدوات عملية حديثة لزيادة التعاون، واستكشاف الفرص المتاحة التي يعود تفعيلها بالفوائد المشتركة، ووضع رؤية موحدة لتعزيز العلاقات وتعميقها في جميع المجالات، بما يحقق ما تصبو إليه القيادتان من تعزيز للأمن والاستقرار ودعم المسيرة التنموية والاقتصادية للبلدين.

لذلك كان انعقاد الاجتماع الأول للمجلس حدثاً بالغ الأهمية، لاسيما أنه خرج بنتائج باهرة حيث أقر البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الإجراءات التنظيمية لأعمال المجلس، وتشكيل لجان فرعية للتنسيق السياسي والأمني، ولجان أخرى مشابهة لمجالات الاقتصاد والطاقة والتجارة والصناعة، والثقافة والإعلام والسياحة والتنمية الاجتماعية، والاستثمار والبيئة والبنى التحتية.

ولأن علاقات البلدين الشقيقين لم تأت وليدة الصدفة، بل كانت نتيجة لجوار وأخوة ومحبة تتزايد بين الجانبين على مدى عقود طوال، وشهدت أقوى صور التلاحم والتعاضد في مختلف المجالات، وتدعمها قيادة حكيمة واعية، ويحرص عليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ويدعمها ولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- فإن الآمال منعقدة في قيام المجلس بالدور المطلوب منه على الوجه الأكمل، لتدعيم هذه العلاقات وتقويتها لتحقيق ما يرضي شعبي وقيادتي المملكتين، لاسيما أننا نعيش في عصر يشهد اتجاهاً متزايداً نحو التكتلات الاقتصادية والسياسية التي باتت هي العنوان الأبرز والطريق الأكثر وضوحاً لمن يريد السير نحو النهضة وتحقيق الرفاهية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store