Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

العلا.. موطن الحضارات تحتضن القمة 41

العلا.. موطن الحضارات تحتضن القمة 41

A A
تلتئم يوم غد الثلاثاء القمة الخليجية الـ41، حيث تستضيف المملكة القمة، وتحديدًا في محافظة العلا شمال غرب المملكة، ويأتي انعقاد مجلس التعاون وهو الكيان الأكثر ثباتًا في المنطقة، منذ تأسيسه في 25 مايو 1981، رغم ما مرت وتمر به المنطقة من عواصف، وما يطرأ من خلافات بين أعضاء المجلس، وستكون القمة المقبلة ذات رمزية لانعقادها في مدينة «العلا» شمال غربي المملكة، لتصبح عاصمة الممالك القديمة نافذةً سياسيةً حديثةً.

وثمن الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة السعودي محافظ الهيئة الملكية لمحافظة العلا، انعقاد القمة الخليجية في العلا، قائلًا: «إنها ملتقى الحضارات والشعوب والثقافات»، ورحّب مجلس الوزراء الثلاثاء الماضي بقادة دول مجلس التعاون للمشاركة في الدورة الحادية والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون في محافظة العلا، راجيًا المولى أن يكلل أعمال هذه القمة بالنجاح في تعزيز العمل المشترك، وتوسيع التعاون والتكامل بين الدول الأعضاء في المجالات كافة تحقيقًا لتطلعات مواطني دول المجلس وآمالهم.

دعوة كريمة من خادم الحرمين

وأتت الدعوة الكريمة من مقام خادم الحرمين الشريفين لقادة دول مجلس التعاون الخليجي لعقد القمة الخليجية في واحة العلا لتمثل تأصيلًا كريمًا ومستحقًا من قبل الراعي الأول للتراث والتاريخ والحضارة في المملكة، حيث عرف عنه اهتمامه البالغ وشغفه الدؤوب بالتاريخ.

لذا فاختيار العلا ليس مستغربًا، فقد كانت محطة تتلاقى فيها الحضارات والشعوب منذ أقدم الأزمنة، وذلك بسبب موقعها الإستراتيجي على طريق التجارة البري قبل الإسلام ومن ثم على طرق الحج في الفترة الإسلامية، كما دلت النقوش المكتشفة في العلا، التي كتبت بخطوط مختلفة تصل إلى ما يقارب عشرة خطوط، على أنها كانت عبر التاريخ مكانًا للتسامح والتبادل التجاري والاقتصادي والثقافي، واتسم سكانها بدرجة عالية من الانفتاح على الثقافات الأخرى، الأمر الذي سمح لهم بالانصهار مع الحضارات الموجودة في ذلك الحين، إن وجود عشرات الآلاف من النقوش التي كتبت بخطوط عدة منها: الآرامي، الداداني، الثمودي، المعيني، السبئي، النبطي، اللاتيني، الإغريقي والعربي في بقعة جغرافية صغيرة نسبيًا يدل على مدى أهمية هذا المكان تاريخيًا وأنه كان نقطة التلاقي بين الحضارات في العالم القديم.

قاعة مرايا

ومن المقرر عقد القمة في قاعة «مرايا»، التي تعد أكبر مبنى مغطى بالمرايا في العالم؛ حيث تكتسي واجهاته بالمرايا، ويعكس طبيعة المكان، في وادي عشار، وتم افتتاح القاعة في 21 ديسمبر 2018، واحتضنت القاعة فعاليات منوعة، ووثّقت موسوعة غينيس للأرقام القياسية مسرح مرايا ضمن قائمتها للأرقام القياسية كأكبر مبنى مغطى بالمرايا في العالم، ويتخد المبنى شكلًا مكعبًا وتغطي المرايا جدرانه الخارجية بشكل كامل، لكي لايؤثر وجود المبنى على الطبيعة والآثار التاريخية المحيطة به، وهو من تصميم المهندس المعماري ماسيمو فوغلياتي والمصمم الإيطالي فلوريان بوجي.

نافذة سياسية

وسلط اختيار العلا مقرًا لانعقاد القمة الخليجية، الضوء على تاريخ المحافظة التي كانت عاصمة لممالك قديمة قبل آلاف السنين، وملتقى لحضارات وثقافات مختلفة، تشكل أيقونة لفترات زمنية مختلفة، تعاقبت عليها، حتى باتت اليوم «نافذة سياسية ناعمة، تحمل دلالات تاريخية عميقة»، ويعد اختيار العلا مقرًا لعقد قمة قادة دول الأول من نوعه، من حيث كانت تعقد القمم في عواصم تلك الدول، رغم أن العلا استضافت كثيرًا من قادة الدول، لما تمثله من أهمية تاريخية وحضارية وثقافية، حيث تحتضن العلا آثارًا تدل على الحضارات الكثيرة التي مرت عليها على مدى آلاف السنين، بدءًا من عاصمة مملكتي دادان ولحيان، مرورًا بالمراكز التجارية للأنباط، ووصولًا إلى العصر الإسلامي، وكانت مدينة الحِجر النبطية في محافظة العلا، العاصمة الجنوبية للمملكة النبطية، التي يعود تاريخها إلى القرن الأول قبل الميلاد، والتي تحتوي أكثر من 100 مدفن ضخم محفوظ جيدًا، وتتميّز معظم هذه المدافن بواجهات منحوتة بإتقان من التكوينات الصخرية.

وقبل الأنباط، كانت العلا عاصمة المملكتين القديمتين الدادانية واللحيانية، اللتين كانتا تسيطران على تجارة القوافل في الألفية الأولى قبل الميلاد، وربطت دادان الممالك العربية الجنوبية التي تنتج عطريات قيّمة بالأسواق المتنامية في عالم البحر الأبيض المتوسط، وتزخر العلا بقصص الحضارات القديمة، وتتنوع أرضها بثقافات وحضارات عدة، حتى في محاصيلها الزراعية، حيث كانت العلا كانت تمتلئ سابقًا بواحات النخيل والأشجار، ووصفها الرحالة ابن بطوطة في القرن الرابع عشر بأنها «قرية كبيرة وجميلة غنية بالمياه وتظللها بساتين النخيل»، كما أن واجهات جبالها تمثل لوحات فنية رسمتها عوامل التعرية، أو نُحتت بإتقان في عصور ماضية.

موقع متميز

ويقع وادي العلا على مسافة 300 كيلومتر من المدينة المنورة في الشمال الغربي للمملكة، ويعتبر من الأماكن الاستثنائية الزاخرة بالتراث الطبيعي والإنساني، التي تتضمن واديًا من الواحات الخضراء، وجبالًا شاهقة من الحجر الرملي، ومواقع ثقافية قديمة.

مدائن صالح

وتعتبر مدائن صالح بمنزلة الموقع الأكثر شهرة في محافظة العلا، وهي أول مواقع المملكة المسجلة في قائمة التراث العالمي لليونسكو، وتمتد مدائن صالح على مساحة 52 هكتارًا، وكانت بمنزلة المدينة الجنوبية الرئيسة من مملكة الأنباط، وتتكون من أكثر من 100 مدفن محفوظة بشكل جيد، مع واجهات متقنة، تم اقتطاعها من نتوءات الحجر الرملي المحيطة بالمستوطنة الحضرية المسورة، فيما تشير الدراسات الحديثة إلى اعتبار مدائن صالح أقصى المواقع الجنوبية في الإمبراطورية الرومانية.

وإضافة إلى مدائن صالح تعتبر العلا موطنًا لسلسلة من المواقع التاريخية والأثرية الرائعة، مثل الخريبة (دادان قديمًا)، عاصمة المملكتين الديدانية واللحيانية، التي تعتبر اليوم واحدة من أكثر المدن تطورًا خلال الألفية الأولى قبل الميلاد ضمن شبه الجزيرة العربية، وكذلك آلاف الأمثلة عن الفنون الصخرية والنقوش القديمة، علاوة على محطات سكة حديد الحجاز، وتحتوي العلا على مئات النقوش الأثرية التي يعود تاريخها إلى الحضارات الصفوية والآرامية والثمودية والمعينية والإغريقية واللاتينية.

جبل الأقرع وجبل عكمة

أما جبل الأقرع ففيه ما يزيد على 450 نقشًا عربيًّا، بينما يعد جبل عكمة واحدًا من كبرى المكتبات المفتوحة في السعودية التي تحتوي على كتابات ونقوش أثرية هي الأهم؛ إذ يوجد به نقوش ورسوم تعود إلى الحضارتين الديدانية واللحيانية، ويعمل فريق من خبراء الآثار المحليين والدوليين حاليًا على تسجيل وتوثيق المواقع الأثرية والتاريخية لمحافظة العلا، وتطويرها تحقيقًا للتحول المستدام، ولتمكين الزوار المحليين والإقليميين والدوليين من التعرف على ثراء إرثها الثقافي والتاريخي والطبيعي، وعلى الحضارات العربية الأصيلة، والقيم المحلية العريقة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store