Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

رحيل قامات الإبداع.. ومبدعون حديثو الولادة!

A A
خلال عام 2020 رحل كثير من المبدعين العرب، إما بإصابة كورونا مثل الفنان الفوتوغرافي عيسى عنقاوي، ورجاء الجداوي، أو بسبب التقدم في العمر أي النهاية المحتومة والطريق الطبيعي لكل كائن حي كرحيل الروائي السوري حنا مينا عن عمر ناهز 94 عاماً، أو رحيلاً مفاجئاً كرحيل الكاتب والسيناريست المصري وحيد حامد، والمخرج السوري حاتم علي، وفي مطلع 2021م، رحل إلياس الرحباني.

تعددت الأسباب والموت واحد، الموت يعني الغياب الكامل عن المشهد الحياتي بكامل تفاصيله، كانتهاء دور الممثل في مسلسل، وخروجه النهائي ليس فقط من الكادر بل من بقية الحلقات، لانتهاء دوره، أو لأسباب أخرى، خروج يشبه الموت، وموت يشبه الخروج من المشهد، لكن الممثل يمكن أن يعود في مسلسل آخر لكن بشخصية أخرى لأن الشخصية الأولى انتهت بالموت أو السفر أو أي من الأسباب الدرامية التي ينتهي بها دور الممثل، كذلك هي الحياة، يدخل إليها كل لحظة كثيرون، ويخرج منها ربما أكثر، أو أقل، فالموت هو الحقيقة الوحيدة الصادقة بنسبة 100%!

ورود الأسماء السابقة في هذه المقالة، كمثال فقط، لاستحالة الاستشهاد بكل المبدعين الذين رحلوا عن عالمنا ممن نشأ على إبداعهم جيلي أو الأجيال اللاحقة، سواء كان رحيلهم في 2020 أو في الأعوام التي سبقته، ومع أن كل رحيل يمثل خسارة لذوي الراحل وأحبته ومعارفه، إلا أن رحيل المبدعين، بالإضافة إلى البارزين سواء في مجال الأدب، والفكر، والإعلام، أوالفن، أو في مجالات، العلم، والطب والرياضة؛ تمثل خسارة وطنية لأوطانهم أو إقليمية، أو عالمية، كذلك يمثل رحيلهم خسارة فادحة لمتابعيهم ومعجبيهم ، لذلك يتم نعيهم على نطاق واسع، ليس فقط من أسرتهم، كما يحدث عند رحيل آخرين ممن يطلق عليهم «مشاهير» حتى من غير المبدعين، في عالم الاقتصاد أو الإعلام والسياسة.

رحيل المبدع في عالمنا العربي يمثل حلقة في سلسلة رحيل المبدعين في عصرنا الحديث، لكن هذا الرحيل يفتح ثغرة لتسلل الخوف من هذه الخسائر المتتالية في بند المبدعين، هل سيجود الزمان بمثلهم، من هم من جيلي وأجيال تالية ارتبطت ذائقتهم الثقافية أو الأدبية والفنية بأسماء مبدعين في مجالاتهم محليين أو عرب، صدحت أسماؤهم في جنبات وطننا العربي، وبعضها تردد صداه خارج حدود العرب، لأننا مرتبطون عاطفياً وذهنياً بأولئك الراحلين، لأنهم شكلوا ذائقتنا الفنية أو الأدبية، أثروا معرفتنا، شقوا لنا طريقاً سهلاً في مسيرتنا الأدبية أو الفنية.

ما زال كل جيل متأثراً برحيل المبدعين الذين وجدهم ملء السمع والبصر وهو يشق طريقه في عالمه الخاص، لكن السؤال: هل الأجيال التي لم تتأثر بإبداع الراحلين من الأجيال التي لم يساهم الراحلون في تشكيل وجدانهم، ولم يتعرفوا على آدابهم وفنونهم، هل تشعر بنفس المشاعر التي شعرنا بها ومازالت تداهمنا كلما رحل مبدع كان داخل نطاقنا؟.

لا، ليس كذلك!

لذلك يقولون: «لكل عصر آذان» بمعنى لكل زمان ولكل جيل، مبدعوه ورموزه، حتى الآن نحن نطرب لأم كلثوم، وعبدالحليم حافظ، طارق عبد الحكيم، طلال مداح، في مجال الغناء مثلاً، وكذلك في المجال الفكري والأدبي، لدينا مَن مازلنا نقرأ لهم، لكن لهذا الجيل ذائقته الخاصة به، لذلك يختلف تقييم الإبداع والمبدعين حسب الزمان ومعطيات العصر!

فكلما رحل مبدع ولد مبدع آخر، يشهد له جيله وأبناء عصره، لكننا نحكم بمنطقنا وذائقتنا على عصر مختلف عن عصرنا، عصر له معطيات مختلفة ووسائل حديثة نحاول استخدامها والتعاطي معها على وجل، ومع ذلك ننعي هذا العصر لأنه لم يتمكن من ولادة أم كلثوم أخرى مثلاً، فخنقوا الأصوات الشابة وحصروها في ترديد أغاني أم كلثوم، فلم تتمكن تلك الأصوات من اكتشاف صوتها المتفرد وموهبتها الفذة، بل تاهت ولفظت أنفاسها وهي تردد صوتاً غير صوتها!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store