Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

أرجوك امنحني عمرك!

A A
لأني مازلت أستجدي أعمار الآخرين، أغرتني هذه الفكرة بخطفها من عُمْر الكاتب المصري الراحل، عبد الوهاب مطاوع، فالكاتب الذي يترك خلفه خلاصة عمره، مسكوبة بين أسطر الكتب، لا يموت، ليس هذا فقط، بل يمنح قراءه عمراً إضافياً، من خلال ما قدمه لهم في كتابه سواء كان الأثر أدبياً أو فكرياً أو علمياً، أو تجارب حياتية مكتوبة بلغة بسيطة لا تدخل تحت التصنيف الأدبي مثلاً!

كما أن لدي عادة غريبة ربما نتيجة شغفي بالكاتب أو الكتّاب، وهي العودة للكتب التي قرأتها، كذلك لدي إصابة بليغة بعادة شراء نفس الكتاب أكثر من مرة، وهذه العادة أو الإصابة ربما هي جزء من داء الاستهلاك الأعمى المصابة به.

خلال هذه الحالة غير الواعية أي العودة إلى انتقاء الكتب التي قرأتها واصفرّت واهترأت أوراقها، خلال بحثي في مكتبتي عن كتاب، التقطت كتاب «أرجوك أعطني عمرك»، لعبد الوهاب مطاوع.

كان رئيس تحرير جريدة الأهرام، ويحرر بريد الجمعة المليء بالقصص والحكايات والأزمات الشخصية للقراء، أي أن لديه من التجارب ما يكفي لأن يؤلف عشرات الكتب، ويمنح قارئها أعماراً جديدة.

يقول في المقدمة: بأن الإنسان يحتاج لأن يعيش أكثر من مرة لكي يجيد فن الحياة، ويحسن التعامل مع ما يواجهه فيها من اختبارات وتناقضات وألغاز محيرة، ولأن الأمنية مستحيلة، فإنه يحاول أن يطيل عمره، المحدود، بإضافة أعمار الآخرين إليه، أي بإضافة ما تعلمه الآخرون من دروس حياتهم وتجاربهم، إلى ما تعلمه هو من أخطائه وعثراته.

القارئ عندما يختار كتاباً لكاتب، كأنه يطلب من الكاتب أن يمنحه عمره، حتى لو أن هذا الكاتب لم يعد له وجود على سطح الأرض، بل حتى أن عظامه ذابت واختلطت بالتربة، ولم يعد له اسم أو رسملٌ، إلا أنه موجود فكراً أو علماً أو أدباً بين طيات كتاب، وأن عمره لا يزال يمنح لكل من يقرأ خبراته وتجاربه وخلاصة عمره التي أودعها كتبه.

في عصرنا الحالي منذ بدأت خبرة «ستيفن كوفي»، تنتشر، وأصبح مفهوم، تطوير الذات، وحلقات أو ورش التدريب التي تعقد تحت مسميات مختلفة، منتشرة في عالمنا العربي، ومدربي التنمية البشرية كما يعرِّفون أنفسهم، وانتشار كتب تطوير الذات، انخفضت القراءة، قراءة الأدب بشكل خاص لدى الشباب، وأصبحت كتب تطوير الذات هي الأكثر مبيعاً.

لا أقلل من أهمية النظريات والقواعد العملية التي تقدمها تلك الكتب لقارئها لتنمية المهارات المختلفة حتى في مجال العلاقات الإنسانية والأسرية والاستفادة من الوقت ومهارات القيادة وغيرها من الموضوعات المختلفة التي أصبحت الشغل الشاغل للشباب حتى أن الحصول على شهادة تدريبية لإحدى تلك المهارات أصبح هدفاً أهم من هدف تعلم المهارة وإتقانها.

لكن الكتاب الأدبي، قصة أو رواية، مقالات أو قصائد شعرية، تنبض بالحياة، هي التي تمنح المهارة العقلية واللغوية ومهارات التعامل مع إشكالات الحياة.

كتب النظريات والقواعد العلمية تتعامل مع العقل فقط، لكن الكتب الأدبية تمس الوجدان وهي في طريقها إلى عقل القارئ، تشكل وجدانه، تمنحه عمراً جديداً، بما تنضوي عليه من خلاصة فكر وجهد كاتبها.

يستشهد مطاوع بمقولة للمأمون -الخليفة العباسي- الذي كان مغرماً بالحوارات الأدبية والفلسفة والحكمة: ألذ الأشياء هو التنزه في عقول الآخرين، فلقد حاولت دائماً أن «أتنزه»، ولو بضع ساعة كل يوم -ومنذ صباي المبكر- في عقول الآخرين ومؤلفاتهم وخبراتهم وتجاربهم مع الحياة.

وينصح مطاوع القارئ أن يفعل ذلك؛ أي التنزه ولو بضع ساعة في عقول الآخرين، ليضيف عمراً إلى عمره، وخبرة إلى خبرته، وتجربة إلى تجاربه!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store